عديد نصار
سيدي العماد
تحية طيبة و بعد،
تهنئتي الشخصية الحارّة لما حزته من ثقة كبيرة لدى أبناء الشعب، خلال تولّيك مهامك، وقيامك بدورك بقدر عال من الشجاعة والمسؤولية والتجرّد والصدقية والتزام القانون والبعد عن الاستتباع والانزلاق في أوحال الفئوية وقذارة المحاصصة واستغلال النفوذ... هذه الأمور التي تسود الطغم السائدة الحاكمة منذ ما يقرب من عقدين، دون التوغّل بعيداً في ما خلا.
إنك، سيدي العماد لجدير بكل ثقة. غير أنّ الذين يتهافتون اليوم على ترشيحك لمنصب رئاسة الجمهورية لهم في ذلك مآرب أخرى تدركها تماماً. هذه المآرب لا تمت بصلة إلى مصلحة الوطن والشعب، وإلا لكانوا توافقوا على ذلك منذ البداية، وإلا لما عارضوا أو قذفوا أو تجنّوا أو امتنعوا أو تواطأوا حتى اليوم.
قد تكون «التعليمة» لدى البعض، وقد يكون أمر آخر لدى البعض الآخر. أكتب إليك كتابي المفتوح هذا، لا لأرشدك أو أطالبك أو أتمنى عليك، بل لأريح نفسي، وأعبّر عن ثقتي ووجهة نظر يجب أن تصل وتُعرف وتخرج إلى الملأ.
إن وجودك في سدة الرئاسة ينبغي أن يستتبع برنامجاً إنقاذياً بقواعده السياسية الاقتصادية الاجتماعية التالية:
1ـــــ تأليف حكومة إنقاذ وطني من أعضاء يتمتعون بالعلم والكفاية والمقدرة والجرأة والشجاعة، وفوق ذلك وقبله، لم يتلوّثوا بلوثتَي الفساد والفئوية الطائفية أو المذهبية.
2ـــــ سنّ قانون عصري ومدني للأحزاب والجمعيات، يمثّل كل الأحزاب والجمعيات والحركات الطائفية والمذهبية، ويضعها تحت خانة تهديد السلم الأهلي وتعريض وحدة الشعب والوطن للخطر.
3ـــــ سنّ قانون عصري للانتخابات خارج كل قيد طائفي أو مذهبي، وعلى أساس النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة. ويلحظ تأليف مجلس شيوخ مؤقت لدورتين انتخابيتين متواليتين، فقط لإشاعة الطمأنينة لدى الطوائف، ورعاية تحول الشعب من رعايا دكتاتوريات الطوائف والمزارع إلى مواطنين على قدم المساواة وتحت حماية القانون والمؤسّسات، وينظّم علاقة الإعلام والإعلان بالانتخاب، ويمنع الرشى واستعمال المال الانتخابي.
4ـــــ التأسيس لاستراتيجية دفاعية وطنية واضحة، واستيعاب وطني للمقاومة.
5ـــــ إعادة تأليف المجلس الدستوري بما يحفظ دوره في مراقبة دستورية القوانين والممارسات القانونية والتشريعية، ومراقبة الانتخابات والمؤسّسات.
6ـــــ تحرير القضاء من كل ما يعوق عمله من استتباع للجهات السياسية، من خلال قانون عصري يحوله سلطة تتمتع بكل الاستقلالية، ويجعله جديراً بتحمل مسؤولياته في إقامة العدل وحكم القانون.
7ـــــ إعادة تأليف وهيكلة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بما يؤكد دوره في السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
8ـــــ تجميد الديون العامة، والتوقف عن دفع مستحقاتها، وتأليف لجنة تحقيق قضائية ومالية مستقلة ومحايدة، تتمتع بالصدقية والشفافية، والاستعانة ،ربما، بتقنيات وكوادر خارجية، تكون مهمتها التحقيق في مدى مطابقة سياسات الاستدانة والإنفاق للمصالح الوطنية، وفي ما إذا كان هذا الدين جائراً ينبغي شطبه، وفي كيفية الإنفاق وطرق صرف الأموال، وتكشف آليات هدر المال العام ونهبه، والمتورطين في ذلك مهما كان موقعهم، وتحيلهم إلى القضاء وتجرّدهم من الثروات التي نهبوها نتيجة الفساد وصرف النفوذ والابتزاز وسوء إدارة المال العام.
9ـــــ وقف بيع المرافق العامة، وتأليف لجان تحقيق في آلية عملها وإعادة هيكلتها بما يغيّر كل طريقة الأداء، ويحفظ حقوق المواطنين بممتلكاتهم الوطنية.
10ـــــ سنّ قانون ضريبي عادل يحد ما أمكن من الضرائب غير المباشرة، ويعتمد الضريبة المباشرة التصاعدية.
11ـــــ فتح ملف الأملاك العامة المنهوبة، وإيجاد الآلية المناسبة لاستعادة ملكية الشعب، مع إجراء محاسبة دقيقة للضرر الناشئ عن استيلاء المنتفعين منها وما يترتب على ذلك من مسؤوليات.
أعرف تماماً أن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة، ولكن بوجود حكومة نظيفة يمكن إطلاق ورشة عمل تستند إلى الركائز العشر المذكورة أعلاه، والتي تمثّل أسس كل سياسة سليمة وطنية واقتصادية ومالية واجتماعية وتربوية وصحية، ما يمكّن من إرساء قواعد بناء وطن لجميع أبنائه.
سيدي، إذا رأيت أنه بالإمكان القيام بالخطوات الإنقاذية أعلاه، فإنك ستجد إلى جانبك الكثير من الداعمين والمؤيدين، وستجد في وجهك الكثير من الأعداء المتربصين النافذين والشرسين، الذين سوف يستميتون في الدفاع عما نهبوا وجمعوا من مال وسلطة ونفوذ. ولكن بالإصرار والنضال، ستجد أن الكتلة البشرية التي ستلتف حولك، من أصحاب المصلحة في التأسيس لوطن، والمتضررين أفدح الضرر من السياسات السابقة المدمرة للوطن، ولحلم البشر في العيش، ستجد أنّ هذه الكتلة ستكبر ككرة الثلج، لأنه لا يمكن للمواطن الذي عوّدوه على أساليب الغش والفساد طيلة الزمن المنقضي أن يغير سلوكه في الحفاظ على حياته ولقمة عيشه، إلا إذا ملأت نفسه الثقة بأن ما بدأ لن يتوقف بعد وقت قصير، ولكن هي مسيرة جارفة ستحرق كل ما كان من فساد ومفسدين.
سيدي، إذا آنست في نفسك القدرة، وهي موجودة، وفي الواقع الموضوعي الإمكان، فأقدم ! أمّا إذا كان الأمر بخلاف ذلك، أناشدك أن تقول لمن يتهافتون اليوم لترشيحك ما قاله العماد فؤاد شهاب للذين طالبوه بتمديد ولايته.