حسن شقراني
تشومسكي والأشقر يناقشان خطورة السلطان الإمبريالي


ينتهي النقاش في الجزء المخصّص لـ«تحديثه»، بإشارة نوام تشومسكي إلى التعليق الشهير لغاندي في شأن مفهوم الحضارة الغربيّة: لعلّها تكون فكرة جيّدة! فالمفكّر الأميركي ارتأى بعد استفاضته في بحث محدّدات السياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط، أن يُقصر التعليق على السياسات النيوليبراليّة بهذه العبارة، لتعرية التوجّهات الخارجيّة لـ«أعظم» بلد على الكرة الأرضيّة في أغنى منطقة بـ«الذهب الأسود». إطار الحديث هو محصّلة 3 أيّام من الحوار بين تشومسكي والباحث العربي جيلبير الأشقر، أداره ستيفن شالوم في مكتب الناقد الفكري واللغوي الأميركي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (M I T) في كانون الثاني من العام الماضي.
«تعقيدات المجتمع الشرق أوسطي تتطلّب عدداً من الأشخاص أكثر ذكاءً على نحو يفوق الزمرة الموجودة في واشنطن حالياً». لم يستطع الأشقر في خضمّ بحثه في حال الاحتلال الأميركي للعراق، سوى الإشارة، من خلال هذه العبارة، إلى موزاييك المنطقة عامة وبلاد الرافدين تحديداً، وفشل التدخّل الأميركي «من أجل نشر الديموقراطيّة» في توليف آليّات لتطويعه. السيطرة على منابع النفط حجّة أساسيّة، بديهيّة إن جاز التعبير، يرتكز عليها الباحثان لتفنيد توجّهات الإدارة الأميركيّة في الخليج العربي، بدءاً من إعطاء الضوء الأخضر لصدّام حسين من أجل «تصحيح» الحدود مع الكويت عام 1990، وصولاً إلى غزو العراق عام 2003. وللاستذكار، فالمحدّد هو انسحاب القوّات الأميركيّة من قاعدة الظهران في السعوديّة في منتصف القرن الماضي، وإعادة إنتاج نظام السيطرة على صيغة «الحلفاء» و«الدول ـــــ الشرطة». فـ«نشر الديموقراطيّة» لتبرير غزو العراق، يجرّده الكاتبان ـــــ المتحاوران، على قواعد أساسها التضارب بين خطاب الحكومة الأميركيّة وأفعالها. ويعرضان في هذا السياق، تجارب سياسيّة طبعت تحوّلات تاريخيّة في بلدان كانت للولايات المتحدة، ولا تزال، مصلحة في كبح جماح تطوّرها. والتدقيق يجري في الحالة السعوديّة. حيث يكفي الحديث عن «العلاقة المميّزة مع العائلة الحاكمة» لتجريد «الخطاب الوهمي» من أيّ مقوّمات، وخصوصاً أنّ الحكم في الرياض يمثّل أكثر أنواع القمع فظاظة في العالم، حسبما يشير الأشقر.
وعن لبنان والتحوّلات التي شهدها منذ عام 2005، يقف تشومسكي عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ويتّهم مباشرة وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة (سي آي إيه) بقتله. أمّا الهدف، فيقول إنه إحكام القبضة على النظام السوري من أجل توفير مساومة في شأن كيفيّة تحقيق الاستقرار في العراق. وانهيار طرح «دعم المعتدلين وحلفائنا» ينسلّ، إلى هنا أيضاً، بعد استذكار تجربة 30 عاماً من التدخّل السوري في لبنان.
الحديث يتعقّد لدى التطرّق إلى احتمال نشوء حرب في الشرق الأوسط، أو بصيغة أخرى، توجيه ضربة عسكريّة إلى إيران أو سوريا. فالمفكّران متّفقان على أنّ الهجوم على سوريا وارد، وإن كان مستبعَداً، من أجل التخلّص من «الضرس الخبيث» التابع بقراراته الاستراتيجيّة إلى «الإخوة الكبار» في موسكو. فيما إرهاصات مهاجمة الجمهوريّة الإسلاميّة ليست موجودة في تحليل تشومسكي و«واقعيّة جدّاً» في منظور الأشقر. دور اللوبي الإسرائيلي في تحديد سياسية الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، كما يلفت المتحاوران، ليس مؤثراً إلى هذه الدرجة، وليس محدّداً رئيسياً، كما يحلو للعرب الإشارة إليه، من خلال تسميته «اللوبي اليهودي». والصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي، وإمكانات الحلول السلميّة، يأخذان حيِّزاً مهماً من النقاش.
«السلطان الخطير»، بصيغته الحواريّة التلقائيّة، وبفصوله الخمسة الملحقة بخاتمة لـ«تحديث» النقاش بعد 6 أشهر على إجرائه، يطرح رؤية مفكّرَين يتناقشان في شأن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، ويخلصان إلى أنّ «مصالح الإمبرياليّة»، في الوقت الذي تؤدّي فيه إلى هلاك سياسي واجتماعي في المنطقة، تخالف «المصالح الأميركيّة»، إلى حين تغيير المسار.
* من أسرة الأخبار



العنوان الأصلي
السلطان الخطير
الكاتب:
نعوم تشومسكي
وجلبير الأشقر
الناشر
دار الساقي