علي السوداني
شهريار قاطع الرؤوس و«ألف ليلة وليلة» لتبرير غزو العراق


ظلّ الموضوع العراقي حتّى اللحظة مادّة مغرية ودسمة لا لتحوّل المشهد القائم هناك إلى كنز إخباري اشتغلت عليه مختلف وسائل الاتصال الحديثة ودكاكين السمسرة الإعلامية وظاهرة «إعلان مدفوع الثمن»، بل إنّ الأمر تعدّى ذلك بعد الغزو الأميركي للعراق واحتلاله ربيع عام 2003، حتّى ضربت الكتب والمؤلّفات والدراسات في هذا الباب أرقاماً قياسيّة لجهة النشر والمبيعات والدعاية.
قد تكون هذه الكلمات معبّرة عمّا ينتظر قارئ كتاب الباحث والكاتب العراقي فاضل الربيعي الذي يمرّ سريعاً على التعريف الابتدائي للاستشراق، فيعيد التعريف القاموسي نفسه للتعبير الذي ارتبط منذ نشأته بعصر الاستعمار، وتالياً كيف خدمت دراسات المستشرقين في أبواب التاريخ والدين والثقافة المستعمرين والمحتلّين. لكنه لا يذهب بعيداً في الغوص في مسألة الاستشراق وجذوره القديمة والحديثة. وتبرر الدراسة هذا المنحى أو الابتسار في هذا الجانب تبريراً يكاد يكون معلناً، إذ إن قضية الكاتب هنا لها هدف محدد هو إيضاح العلاقة الوثقى ما بين الاستشراق الجديد بكل أشكاله أو عصر ما بعد الاستشراق، واحتلال العراق.
ويشير المؤلّف إلى القوّة التخيّلية التي أناطها المنفذ العسكري المحتلّ بالثلّة الضخمة من الدارسين والإعلاميّين والباحثين والكتّاب والأدباء، من أجل نفخ الصورة وتشويه الآخر وشيطنته تالياً، لتبرير غزوه وقتله وسرقته وتدميره. ويسوق الكاتب، الذي عاش أو عايش الحدث، أمثلة قائمة، منها التوأمة المتعمّدة بين بغداد وكابول، و«القاعدة» و«البعث»، كمنتجين فكريّين يهدّدان أميركا في عقر دارها. في فصل الكتاب الأول، ثمة مقارنة بين زمنين أو استشراقين، لو جاز التعبير، مرّت بهما الدولة العراقية الحديثة ووفق ما سماه الكاتب عصر ما بعد الاستشراق. فقد جرت عملية «تهنيد» العراق من جانب المستعمر البريطاني بطريقة اقتربت منها، واستفادت إلى حدّ بعيد، عملية «أفغنة» العراق، التي بدأت منذ عام 2001 ووصلت ذروتها وتكاملت أدواتها قبل نحو عامين من الغزو.
من الصور المؤثّرة في هذه الدراسة، وفي باب التخييل الغربي للعدو ـ العراق في هذا الوصف الذي اقترب جداً من توصيفات الخرافة وأسطرة الآخر، كانت صورة الجنس وصوره المتخيلة لدى عدو شرقي متوحّش بدوي. وهنا حضرت المرأة العراقية كجنس محض في عراق صدام حسين، واستُعيدت وظُهّرت صور ألف ليلة وليلة، حيث السياف وشهريار قاطع الرؤوس، بمواجهة شهرزاد وسياف جديدين، إذ يقرأ الكاتب مسألة تركيز أجهزة الدعاية والإعلام الغربية على واقعة متخيلة تفيد بقطع رؤوس مجموعة من النساء العراقيات بتهمة الدعارة، وهي الواقعة التي تؤكد الدراسة والدارس عدم حصولها، في مقابل ما درجت عليه الدعاية الغربية، قبل الغزو وبعده.
لا يكتفي هذا البحث بالهدف الرئيس المعلن، بل يمرّ وهو في طريق الإثبات واليقين على خفايا لم تأخذ حصتها العادلة من الضوء، ويضعها في ملاحق وتهميشات منثورة على صفحات الكتاب. وثمة جهد علمي واضح في قراءة الشخصية العراقية بكل صورها العرقية والإثنية والقومية، لا متسع للمرور عليها مجتمعة في هذه القراءة المستعجلة لكتاب في قراءته متعة وفائدة.
* صحافي عراقي


العنوان الأصلي
ما بعد الاستشراق
المؤلف:
فاضل الربيعي
الناشر
مركز دراسات
الوحدة العربية