كمال مساعد *
أعادت حرب العراق إلى أذهان الأميركيين أجواء حرب فيتنام، وذلك بعدما كشف أحد المستشارين العسكريين للرئيس الأميركي جورج بوش، عن دراسة إمكانية استئناف العمل بنظام التجنيد الإجباري في الجيش الأميركي. وكان الجنرال داغلاس إليوت قد أعرب لوكالة «إن. بي. آر» عن أنّ مسألة إعادة العمل بالتجنيد هي أمر جدير بالتفكير وخيار قائم، نظراً إلى عدم توافر قوّات كافية تحت نظام التجنيد الاختياري أو التطوعي لحشدها بشكل مستمر في الجبهات القتالية في العراق وأفغانستان.

خفض معايير الانضمام إلى الجيش

وكانت أرقام التجنيد خلال العام الماضي قد أظهرت أن الجيش الأميركي أخفق في تجنيد الأعداد العسكرية المطلوبة، وعُزي هذا الإخفاق إلى أسباب عدة من بينها عزوف الكثيرين عن تأدية الخدمة العسكرية في العراق، وخصوصاً أن حرباً من هذا النوع يصعب الحسم فيها عسكرياً، وقد خلفت حتى الآن ما يقرب من أربعة آلاف قتيل وما يقارب ثلاثين ألف جريح بحسب اعتراف رسمي، بينما الأرقام غير الرسمية تشير إلى حوالى مئة ألف جريح و12 ألف قتيل من الشركات الأمنية الخاصة وفي صفوف الجيش الأميركي منذ اجتياح العراق في آذار 2003، حسب مصادر وزارة الدفاع ومصادر أخرى تتولى تعداد ضحايا الحرب. وتفادياً لذلك، خفض البنتاغون معايير الانضمام إلى الجيش، برفع السن القانونية للتجنيد إلى 39 سنة بدل 35 سنة سابقاً، قاصداً فسح مجال أوسع لانخراط فئات عمرية جديدة في الجيش وتحقيق الأرقام المستهدفة، يضاف إلى ذلك دفع حوافز مالية وعلاوات للمنضمين الجدد قد تصل إلى 25000 دولار، فضلاً عن منح الجنسية للمقيمين الشرعيين المتطوعين للخدمة العسكرية. وكذلك نشر الإعلانات للترويج والدعاية للخدمة، لاستقطاب المجندين. وقد وصل الأمر إلى أبعد من ذلك، إذ قُبل مجندون ذوو سوابق إجرامية وآخرون دون المستوى التعليمي المفروض سابقاً، أي المستوى الثانوي.
وقد أثمرت هذه الإجراءات، إذ بيّنت المعطيات هذه السنة أن أرقام البنتاغون تفيد أن معدل تجنيد القوات عاد إلى المستوى المستهدف خلال عام 2007: إلا أن هناك شكاً في ذلك.

إحصائيات التجنيد للعام الحالي 2007

نشرت وزارة الدفاع الأميركية إحصاءات تتعلق بالتجنيد (أنظر الجدول)، مشيرة إلى أن جميع فروع القوات العاملة في الجيش الأميركي قد حققت أهدافها أو تجاوزتها خلال الأشهر الأولى من هذه السنة، وكذلك قوات الاحتياط حققت أهدافها أو فاقتها، والاستثناء الوحيد كان في القوات الجوية في الحرس الوطني التي ضمت 787 مجنداً، وهو أقل من العدد المستهدف 907.

نظام التجنيد الإجباري في الجيش الأميركي

إن تاريخ التجنيد الإجباري في الولايات المتحدة يمتد إلى بداية نشأتها، إلا أن أول مبادرة رسمية لإقرار هذا النظام عرفتها فترة حكم الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت الذي وقّع القانون الانتقائي للتسجيل في قوائم الخدمة العسكرية، وأحدث أول وكالة فيدرالية مستقلة تعنى بشؤون نظام التجنيد عام 1940. وخلال الفترة الممتدة من 1948 حتى 1973 فُعّل نظام التجنيد الإجباري في أوقات السلم والحرب على السواء، إلى أن ألغاه الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1973 إثر حرب فيتنام، واستُعيد نظام التجنيد على قاعدة التطوع المعمول بها حتى اليوم،
إذ يتطلب تفعيل نظام التجنيد الإجباري في الولايات المتحدة إصدار قانون من الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، بعد أن يتبين أن الجيش الأميركي يواجه أزمة شحّ في موارده البشرية لتلبية الاحتياجات السنوية التي أخفق النظام التطوعي في جلبها، وبعد ذلك يعرض القانون على الرئيس الأميركي ليوقّعه ويصبح ساري المفعول، ويلي ذلك إجراء القرعة لتجنيد الأفراد المسجلين في القوائم الانتقائية الذين تراوح أعمارهم إجمالاً بين 21 و25 سنة، ثم يمر الأشخاص الذين انتُقوا بفحوص طبية ونفسية دقيقة تحدد أهليتهم لولوج الخدمة العسكرية أو إعفاءهم لأسباب مدرجة في القانون الذي يسنّه الكونغرس مبدئياً. وللإشارة هنا، يفرض النظام المعمول به على المجنّدين الجدد الالتحاق بالجيش رسمياً بعد انتهاء تدريباتهم خلال مدة لا تتجاوز 193 يوماً من تاريخ إشعار التجنيد الإجباري.
ولهذا قامت مجموعة من المؤسسات الإعلامية الأميركية بعدّة استطلاعات لرأي الشعب الأميركي في ما يتعلق بهذه القضية، وكان من بينها شبكة الأخبار «إي. بي. سي.» (ABC)، وجريدة «واشنطن بوست»، إضافة إلى بعض الوكالات المتخصصة في استطلاعات الرأي، كمؤسسة «غالوب» (Gallup) و«إل.بي.إس.أوس» (Lpsos) التابعة لوكالة «أسوشيتد برس». وقد تمحورت الأسئلة الموجهة إلى المشاركين حول الإقبال على الخدمة العسكرية وموقفهم من التجنيد الإجباري. وأبرزت نتائج هذه الاستطلاعات أن الغالبية تعارض مسألة إعادة العمل بالتجنيد، ففي معرض إجابتهم عن سؤال بهذا الخصوص أعرب 70 في المئة عن رفضهم، مقابل 27 في المئة لمصلحته، و4 في المئة من دون رأي. وفي سؤال آخر، هل تنصح أي فرد من عائلتك بالانضمام إلى الجيش؟ كانت إجابة 52 في المئة بـ«لا»، و41 في المئة بـ«نعم». وهل الحرب في العراق ساهمت في الزيادة من صعوبة استقطاب المجندين؟ أفادت إجابة 73 في المئة بالتأكيد، بينما رأى 25 في المئة أنها لم تؤثر في استقطاب المجندين للالتحاق بالجيش، و2 في المئة من دون رأي.
في استقراء لهذه المعطيات، يمكن أن نستخلص أن الحرب القائمة في العراق قد أثرت بشكل جليّ في الشارع الأميركي ونظرته إلى الخدمة العسكرية، ما يعيد إلى الأذهان أجواء حرب فيتنام، والذاكرة المريرة التي خلفتها هذه الحرب في نفوس الأميركيين، بسقوط آلاف الضحايا وفرار العديد من المطلوبين للتجنيد إلى كندا وأوروبا لتفادي حشدهم في جبهات القتال والزجّ بهم في حرب لم يقتنعوا بمشروعيتها.

تفعيل نظام التجنيد الإجباري؟

إنّ بقاء القوات الأميركية في «المستنقع العراقي» الخطر مدّة قد تطول، بات أمراً وارداً، فالمتطوّعون من الشباب الأميركي وحتى من يُدعون «المرتزقة» الذين كانت تغريهم الحوافز والأموال الإضافية، أصبحوا يمعنون التفكير قبل الإقدام على خطوة الانضمام إلى الجيش، إضافة إلى أن الكثير من العائلات الأميركية تتمنّع عن انضمام أبنائها إلى الخدمة العسكرية. وإن تعالي بعض الأصوات في الكونغرس بضرورة تعميم عبء الحرب التي تخوضها القوات الأميركية في العراق وأفغانستان على عامة الشعب الأميركي، وتحقيقاً لهذه الغاية حاول النائب الديموقراطي عن ولاية نيويورك تشارلز رانجل تمرير قانون تفعيل نظام التجنيد، في اقتراح قانون H.R. 393 (2007) Bill، الذي رفض الجمهوريون مناقشته، نظراً إلى الوضع المزري الذي يمر فيه الاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان، ولِما يترتب عليه من تداعيات قريبة أو بعيدة، وعلى الوجود الأميركي في المنطقة.
* باحث لبناني



































إحصائيّات التجنيد للعام الحالي 2007
النسبة المستوى المستهدف أعداد المجنّدين تمّوز 2007
102 9,750 9,972 Army
100 4,173 4,173 Navy
104 4,613 4,793 Marines Corps
100 2,078 2,078 Air Force