صباح علي الشاهر *
قبل أن تنطوي أيام تموز، وتحديداً يوم 30 منه، بدأت الدبلوماسية الأميركية المسلّحة فتل عضلاتها، وطفقت سيدتها، وزيرة الخارجية، بمعية سيد الحرب، وزير الدفاع الأمييكي، بجولة مكوكية لترسيخ ما سمَّوه تحالف المعتدلين، المتكون تحديداً من دول الخليج الست بزعامة السعودية، والأردن، ومصر، وسلطة محمود عباس. هذا التحالف الذي يُراد منه الوقوف بوجه من يسمونهم المتطرفين، وهم على وجه التحديد إيران وسوريا وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين.
لم يكن من الصعب الربط بين «تحالف المعتدلين» الحالي، و«تحالف الراغبين» المشؤوم. المتحالفون هم هم، باستثناء التبدل في موقع دولتين: الأردن من معارضة علناً ومتواطئة سرّاً في الحالة السابقة إلى متحالفة سراً وعلانية اليوم، وسوريا من متحالفة مع «الراغبين» إلى معارضة في تحالف اليوم. والمبررات هي هي، باستثناء إبدال اسم العراق باسم إيران.
لقد أطلق غيتس أقوى دعوة لحلفاء واشنطن للعمل والضغط على إيران لوقف برنامجها النووي، إلى جانب ما وصفه بأنشطة فاعلة تقوم بها طهران ضد مصالح أغلبية الدول العربية. أما رايس فقد أعلنت الهدف بكل وضوح: إضعاف إيران وعزلها تمهيداً لضربها. والذرائع هي الذرائع عينها التي تم فيها تشكيل تحالف الراغبين مع بعض التعديلات الطفيفة التي استوجبها تغير الظروف:
1ـــــ إيران تشكل خطراً على جيرانها، مثلما كان العراق يشكل خطراً على جيرانه.
2ـــــ إيران تهدِّد السلم والأمن في المنطقة والعالم، تماماً مثلما كان العراق يهدِّد السلم والأمن في المنطقة وفي العالم. والجديد هذه المرّة (ادعموا العراق كحزام ضد إيران)، والمقصود بدعم العراق هنا دعم الحكومة المسنودة من الاحتلال.
3ـــــ السلاح النووي الإيراني الذي سيغيّر موازين القوى في المنطقة، ولنتذكر أسلحة الدمار الشامل العراقية.
4ـــــ إيران تريد إزالة إسرائيل، وقد جاء هذا على لسان رئيسها، تذكروا تصريح الرئيس العراق السابق بإحراق نصف إسرائيل إذا فكّرت بضربه.
5 ـــــ شيطنة إيران عبر حملة إعلامية جبارة تشارك فيها الأدوات نفسها التي جُندت لشيطنة العراق، عربياً وعالمياً، وبالأسماء نفسها تقريباً .
6ـــــ الترويج للديموقراطية الأميركية بمقابل (استبداد الملالي). ولهذا الغرض، أي لترويج الديموقراطية في إيران، خصّصت أميركا 76 مليون دولار للعام الحالي، و108 ملايين دولار أخرى للعام المقبل (تذكروا تخصيص الكونغرس 80 مليون دولار للمعارضة العراقية ضد صدام).
7 ـــــ أميركا بدأت العمليات السرية ضد إيران، ومن داخل إيران، لنتذكر الفرق السرية التي دخلت العراق من طريق الأردن قبيل غزو العراق واحتلاله.
8 ـــــ ومثلما لوّحت أميركا بحل القضية الفلسطينية لاستقطاب المترددين من العرب، من طريق مؤتمر مدريد، فها هي الآن تلوِّح بإقامة دولة فلسطين عبر الدعوة لمؤتمر بهذا الخصوص.
9 ـــــ ومثلما أعلنت أميركا عن صفقات أسلحة سُمِّيت في حينه صفقات القرن، المقصود القرن الماضي، ها هي تُعلن عن صفقات الأسلحة لدول الخليج النفطية ومصر، وقد سمَّتها أيضاً صفقات القرن، والمقصود هنا القرن الحادي والعشرون.
10ـــــ ومثلما دعمت إسرائيل بمليارات الدولارات قبل ضرب العراق وبعده، فها هي تدعم إسرائيل بثلاثين مليار دولار على مدى عشر سنوات.
11ـــــ ومثلما دفعت ببوارجها وحاملات طائراتها لمواجهة العراق، فها هي البوارج وحاملات الطائرات تحتشد بالقرب من المياه الإقليمية الإيرانية.
12ـــــ ومثلما بدأت حملتها على العراق بزيارات مكوكية للمنطقة، تميزت بكونها زيارات مزدوجة، تشترك فيها الخارجية والدفاع، فها هي الزيارات المكوكية بمشاركة غيتس ورايس.
كل هذه المعطيات تؤكد أن الهدف الأساسي من الزيارة الدبلوماسية ـــــ العسكرية الأميركية إنما هو عزل إيران وإضعافها وصولاً إلى ضربها. وترتبط بهذا الهدف أهداف أخرى، تصبّ في المحصلة النهائية فيه، ومن هذه الأهداف:
ـــــ دعم حكومة عباس وتقويتها، وإضعاف حماس ومحاصرتها، وصولاً إلى الفصل بين الضفة والقطاع، وهو هدف إسرائيلي ترضاه وتتوق إليه بعض الدول العربية المجاورة لإسرائيل.
ـــــ ودفع مصر والسعودية لإقناع سوريا بالوقوف ضد حزب الله، أو قطع التعاون معه في الأقل، ودعم حكومة لبنان الحالية.
ـــــ إضعاف حزب الله بشتى الوسائل الممكنة كي لا يشكل تهديداً لإسرائيل.
ـــــ دعم حكومة بغداد، و«محاربة الإرهاب»، وإيجاد أرضية مناسبة للانسحاب الأميركي من العراق انسحاباً آمناً، ومن دون خسارة نفوذ أميركا في العراق ولا نفوذها في المنطقة.
السؤال الملحّ هو: هل ستحقّق أميركا «بتحالف المعتدلين» ما حقّقته «بتحالف الراغبين»؟ وللإجابة عن هذا السؤال، ينبغي الإجابة عن سؤال آخر هو: هل اليوم كالبارحة؟
من المؤكد أن واقع اليوم مختلف تماماً عن عام 1991، وحتى عن التاسع من نيسان 2003، إذ لم يعد ثمة من هو مستعد لتصديق مزاعم أميركا، لا بخصوص إشاعة الديموقراطية فحسب، لكن بكل ذرائعها بعد أن تعرّت من ورقة التوت. يبصر حتى الأعمى خزيها وخواءها الروحي والأخلاقي من جهة، وضعفها وهوانها أمام الفعل المقاوم في فلسطين ولبنان والعراق. إن أقوى دولة في العالم تذوق عار الهزيمة والإذلال في العراق، وإسرائيل التي لا تقهر قُهرت وأُذِلّت أمام جبروت المقاومة اللبنانية، وقوة حزب الله تحديداً، والمساومون في فلسطين ينهزمون ويندحرون أمام حماس.
تاريخ المنطقة لن يحدده تحالف المعتدلين، بل سيحدده من الآن فصاعداً فعل المقاومين!
* صحافي عراقي