نضال حمد *
توقّفت الأعمال الحربية في نهر البارد ولم تتوقّف الأعمال التحصينية للجيش اللبناني حول مخيم عين الحلوة وبقية المخيمات الفلسطينية مثل الرشيدية والبصّ وبرج الشمالي والمية ومية وبرج البراجنة والبدّاوي. سيجد أي شخص يقوم بجولة ميدانية حول المخيمات أنّ التحصينات والدشم والحواجز التابعة للجيش اللبناني زادت بنسبة مئة في المئة أو أكثر. وجديد تلك التحصينات، قيام الجيش ببناء جدار عازل حول عدد من المخيمات، مثل سيروب والنبعة وجبل الحليب وطريق الفيلات وأحياء طيطبا والبركسات وغيرها. يذكّر هذا الجدار أهالي المخيمات بما يحصل في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويزيد من غضبهم على القائمين عليه، إذ إنّ تلك الإجراءات تزيد من معاناة سكّان المخيمات المحاصرة. ستبقى هذه المخيمات عنوان الصمود واللجوء وعنوان العودة والمقاومة والعطاء، لذلك ستبقى بمن فيها مستهدفة من جميع أعداء الفلسطينيين، سواء الذين نفّذوا حروبهم ومجازرهم ضدّ تلك المخيمات مثل مخيم النبطية الذي دمّرته الطائرات الصهيونية في سبعينيات القرن الماضي، ومجازر تل الزعتر وبرج حمّود والضبية وجسر الباشا وصبرا وشاتيلا. وسيبقى هذا الإنسان الفلسطيني صابراً وصامداً رغم الدمار والهوان والحصار والجوع والتضحيات والمعاناة.
يبدو أنّ القلق من تصاعد حدّة الحرب الإعلامية ضدّ الفلسطينيّين في لبنان أثناء مأساة مخيم نهر البارد وبعدها، جعل قسماً كبيراً من الشباب الفلسطيني في المخيم يعتبر نفسه هدفاً لضغينة وحقد وتحريض هؤلاء الأشخاص المعروفين بارتباطهم بالإدارة الأميركية والكيان الصهيوني. أضف إلى ذلك أن الحواجز التابعة للجيش اللبناني تتعامل معهم بشكل فظّ، كذلك دوائر ومؤسّسات الدولة اللبنانية التي لا تتوانى عن التفرقة بينهم وبين إخوانهم اللبنانيين في المعاملة حتّى في ساعات تزويد المخيمات بالكهرباء والماء. ويقول هؤلاء الشباب إن أي فلسطيني يتعرّض لمشكلة تصل بدورها إلى القضاء اللبناني، سوف يتمّ الحكم بأقسى العقوبات، حتّى ولو كانت الجريمة بسيطة. كما أنّ في المخيمات عدداً لا بأس به من المخبرين الذين يعملون لمصلحة الأجهزة اللبنانية وأجهزة مخابرات عربية وغير عربية. وهناك أيضاً الكثير من المطلوبين الفلسطينيين الذين لا يعرفون ما هي تهمهم، فقط يقوم حاجز الجيش على مدخل المخيم بإرسال مذكرات التوقيف بحقهم. منهم من يسأل عن تهمته فيطلبون منه أن يسلم نفسه للتحقيق ويُحتَجز لمدة أسبوعين، ويتبين في ما بعد أن الأبرياء من هؤلاء يقرون بالتهم الموجهة إليهم نتيجة التعذيب الذي يتعرّضون له. وبحسب أقوال بعض أبناء المخيمات فإنّ ذلك يتم على خلفية التعبئة الحاقدة على الفلسطينيين في لبنان والتفرقة العنصرية ضدّهم التي تحرمهم الكثير من حقوقهم المدنية والإنسانية الأساسية.
لم تكد دماء الضحايا المدنيّين تجفّ في نهر البارد، حتى سمعنا بعض القيادات اللبنانية المعروفة بتحالفاتها مع إسرائيل، تطالب بعدم السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مخيّمهم. فمنهم من قالها لأنه يكنّ الحقد والضغينة والبغض للفلسطينيين، ولأنه لا يرى فيهم سوى خراب للبنان، ومنهم من قالها نتيجة عدم فهمه ووعيه أو نتيجة مهنته الببّغائية، حيث مطلوب منه أن يردّد كما الببّغاء كل ما يسمعه من أسياده. فهل سنشهد بعد ربع قرن من مجزرة صبرا وشاتيلا، مجازر جديدة في مخيمات لبنان؟ سؤال سوف تجيب عنه الأسابيع القادمة.
* مدير موقع الصفصاف الإخباري العربي النرويجي: www.safsaf.org