عباس المعلم(إعلامي)

مبادرة بوش وصفقة السلاح... تبديل أوجه الصراع؟
لم تخف رايس نية إدارتها فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد ولو من خلال الحروب والفوضى، وإن تعثر هذا المشروع بسبب هزيمة اسرائيل في حرب تموز، إلا أن الإدارة في واشنطن ترى أن انكفاء هذا المشروع يعني هزيمتها المطلقة في منطقة الشرق الأوسط، والعراق على وجه الخصوص، وسيؤدي ذلك الى زعزعة قيادتها للعالم أجمع، حتى إن الرئيس الأميركي نفسه أمام خيارات صعبة ومعقدة بعد مواجهته مع الكونغرس في الداخل الأميركي وعدم زيادته أموال الدعم العسكري في العراق، بالإضافة الى فشل خطته الأمنية في بغداد وعدم قدرته على استيعاب تصاعد حدة المقاومة العراقية.
تطل رايس ومعها وزير الدفاع غيتس بزيارة دسمة للمنطقة والحلفاء الاستراتيجيين المعتدلين ومعهم بالطبع الحليف الملك إسرائيل، تحت عنوان المساعدات العسكرية لهذه الدول، وتعدّ هذه المساعدات لبعض الدول الخليجية والعربية الموالية لواشنطن هي الأضخم، وتُقدر بحوالى 30 مليار دولار، ويوازي هذا الرقم المساعدات المقدمة لإسرائيل مع فرق وحيد أن العرب سيدفعون ثمن هذه المساعدة...
وعلى رغم أن دولة عربية مثل السعودية ستدفع من خزانتها ثمن الصفقة العسكرية، إلا ان ذلك لا يعفيها من تقديم ضمانات أمنية وشروط بأن لا يشكل هذا السلاح تهديداً لأمن اسرائيل على ان يحدد مكان وجودها ونشرها، وهذا أيضاً يسري على مصر، أما الشرط السياسي فهو تحديد وجهة هذا السلاح، حسب تعبير رايس، عبر مواجهة «الخطر الإيراني المتزايد وسوريا وحزب الله والقاعدة»، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تسعى الى تبديل وجهة المواجهة من الصراع العربي ـــــ الاسرائيلي الى صراع عربي ـــــ عربي وإيراني ــــــ عربي وسني ــــ شيعي وسني معتدل ـــــ إسلامي أصولي، وبذلك يتحقق الأمن الدائم للكيان الصهيوني وتضرب مراكز القوة الممانعة لإسرائيل، وهذا بحد ذاته تطبيق فعلي لتقسيم المنطقة وفق ما يتطلبه الشرق الجديد الذي يرتكز على مفهوم ضعف الجوار العربي والإسلامي المحيط بالكيان العبري...
وربما ينطلق المخطط الأميركي الجديد للمنطقة اليوم وهو في سباق مع تسارع أحداث أثرت سلباً على المشروع الأميركي، أبرزها انتصار المقاومة في لبنان على اسرائيل في حرب الصيف الماضي وما نتج عن هذا الانتصار من تداعيات حركت مشاعر الشارع العربي والاسلامي وأحيت في نفوسه خيار المقاومة بصفته الخيار الأنجح للتحرير والاستقلال وأيضاً حافزاً لتغيير الواقع الداخلي للأوطان العربية...
واصبح واضحاً ان أميركا تسعى منذ أن فشلت في العراق الى توسيع رقعة الفوضى في المنطقة لكن من دون أن يؤدي ذلك الى إلحاق الضرر بالأمن الاسرائيلي والمصالح الأميركية. ويُعدّ تحويل الوجهة العربية نحو الصراع مع إيران خياراً أميركياً قديماً استخدم في الثمانينيات بين العراق ودول الخليج ومعها دول غربية وأميركا في مواجهة إيران بحجة منع تصدير ثورة الإمام الخميني (قد)، والنتيجة كانت إقدام اسرائيل على اجتياح لبنان واحتلال جزء من أراضيه، وقصفها المفاعل النووي العراقي من دون خوف أو تردد، وشكلت مرحلة الحرب الايرانية ـــــ العراقية أفضل المراحل السياسية والأمنية للكيان الصهيوني الذي أبعد مقاومة منظمة التحرير الفلسطينية وعمّق اتفاقات التطبيع مع بعض الدول العربية، وما إن توقفت هذه الحرب حتى اشتعلت الانتفاضة في فلسطين واشتدت المقاومة في لبنان وبدأت تهتز صورة اسرائيل الى أن انسحبت قسراً من لبنان عام 2000.
والتساؤل الأبرز اليوم هو ما هي تداعيات هذه الصفقة المترافقة مع مؤتمر بوش لما يسمى السلام ومع الحديث عن تقارب بين دول عربية كبرى تستعد للجلوس مع الإسرائيليين، تحت عنوان تقاطع أميركي ـــــ إسرائيلي ـــــ عربي في مواجهة حركات المقاومة، وخصوصاً حزب الله، ومع العمل على تجويف الانتصار على الكيان العبري، وما دور الجامعة العربية مع بعض المسؤولين العرب «المعتدلين» في المساعدة على إبرام اتفاق سلام مع اسرائيل وفق دولة فلسطينية نظرية، وعدم التطرق الى الجولان وشبعا اللبنانية واللاجئين الفلسطينيين، أي الخروج نصاً وروحاً عن المبادرة العربية في قمة بيروت.
ويبرز أيضاً تساؤل آخر عن كلام رايس على تعهد الادارة الأميركية ضمان أمن المنطقة وأمن العرب، وهي نفسها من زرع الفوضى والخراب وزعزع أمن المنطقة من جراء احتلال العراق وأفغانستان وإمعان حليفتها اسرائيل في احتلال أرض عربية وارتكاب المجازر بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني. عن أي أمن تتحدث رايس، وهل المقصود مواجهة ما يسمى إرهاب «القاعدة والتنظيمات الأصولية»، ومن المعروف لدى الجميع أن الوجود الأميركي في أي بلد عربي أو إسلامي يعني استدعاء «القاعدة» والعكس صحيح، لذلك أمن المنطقة واستقرارها يأتيان عبر وقف التدخل الأميركي في شؤون المنطقة...
وثمة اليوم من يسأل: هل دول الاعتدال هي التي طلبت المساعدة المسلحة من الأميركيين لمواجهة إيران وسوريا وحركات المقاومة، أم هذه الصفقة فرضت عليها بهذه الشروط، وهل تستطيع رفضها وتحمّل عواقب هذا الرفض، وهل هناك فعلاً صقور داخل النظام السعودي هم وراء هذه الصفقة، ويبقى تساؤل يحيّر الكثيرين وهو أين الخطر الإيراني على العرب وإيران تتبنى قضايا العرب المركزية وساهمت في تحرير أراض عربية بفعل دعمها المطلق للمقاومة، وهي اليوم تدفع ثمن هذا الدعم حصاراً وعزلةً دوليةً.