عصام نعمان *
العرب، في نظر أميركا، عربان: معتدلون ومتطرفون. المعتدلون أكثرية، والمتطرفون أقلية. الأكثرية تضمّ مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وبلدان الخليج، وفي مقدمها السعودية، وبلداناً أخرى في المشرق والمغرب. الأقلية تضم «القاعدة» وحزب الله وسوريا. ولأن إيران تعادي إسرائيل وتحاول امتلاك سلاح نووي فهي، إذاً، دولة متطرفة ويجب إلحاقها بالأقلية المتطرفة وإن لم تكن هويتها عربية.
الاعتدال والتطرف، في تصنيفات أميركا، يتعلقان بالدول لا بالشعوب. فإدارة بوش تعرف جيداً أن المعتدلين والمتطرفين في صفوف الشعوب يكرهونها ويعادونها، وأن بعضاً منهم يقاتلها حيث تتاح له الفرصة.
تظن إدارة بوش أنّ دول الاعتدال العربي باتت تدرك أنّ ما يهدّد أمنها ليس إسرائيل بل إيران. من يشك في ذلك يمكن إقناعه بوسائل متعددة، بعضها سياسي والآخر عسكري.
على الصعيد السياسي، يجري إقناع إسرائيل بتليين موقفها تجاه حكومة محمود عباس بأن تقدّم لها من التنازلات، ولو المحدودة، ما يوحي بأن ثمة دولة فلسطينية قابلة للحياة سترى النور في المستقبل المنظور. ويجري إقناع السعودية بأن مؤتمر السلام في الخريف المقبل سيتطرق إلى بحث مبادرة السلام العربية.
على الصعيد العسكري، يجري إقناع دول الخليج بأن أمنها وسلامها الإقليميين مصونان في عهدة أميركا. ولتوثيق ذلك، فإن إدارة بوش في صدد صوغ عقود لتزويد إحداها، السعودية، بتكنولوجيا عسكرية متقدمة وأسلحة متطورة لمدة عشر سنوات لقاء مبلغ زهيد: 20 مليار دولار!
الموضوع يتطلّب، طبعاً، موافقة الكونغرس. الأغلبية الديموقراطية قد تعارض هذه السياسة المدججة بالسلاح. لا يهم، فإنّ في وسع إدارة بوش أن تضع أساطيلها البحرية والجوية في المنطقة بتصرّف دول الاعتدال إلى حين إنهاء الخلاف مع الكونغرس وفراغ المصانع الحربية من صنع الأسلحة المطلوبة.
غير أن المشكلة التي تواجه إدارة بوش هي أن بعض دول الاعتدال العربية تعتقد أن تخويفها بإيران ثم تسليحها لمواجهتها قد يؤديان إلى توتير العلاقات معها وتحويلها، على المدى الطويل، دولاً متطرفة في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل. أكثر من ذلك، تسلّم إيران بأن دول الاعتدال العربية معتدلة فعلاً، لذلك فإنها تقابل اعتدالها بأحسن منه لدرجة أن وزير الدفاع الإيراني الجنرال مصطفى محمد نجار، في سياق أول تعليق على صفقة الأسلحة الأميركية العملاقة للسعودية، قال «إن الجمهورية الإسلامية غير قلقة من تعزيز القدرات الدفاعية للدول الإسلامية الصديقة والشقيقة، وتعتبرها جزءاً من تعزيز القدرة الدفاعية للعالم الإسلامي...». بعده صرح رئيسه محمود أحمدي نجاد بأن تسليح دول الخليج للدفاع عن نفسها لا يشكّل هاجساً لإيران. كأنّ طهران تقول للعرب والمسلمين: تسلّحوا من أميركا ما شئتم، فنحن على ثقة بأنكم لن تستخدموا هذا السلاح ضدنا، ولعلكم ستقتنعون مثلنا، في يوم من الأيام، بأنه يقتضي تصويبه إلى إسرائيل!
أميركا تعرف أنّ دول الخليج العربية لن ترفع السلاح في وجه إيران، فلماذا تسلّحها إذاً؟
الدافع ليس عسكرياً، بل هو اقتصادي بالدرجة الأولى. فالاقتصاد الأميركي الذي أرهقته مغامرات بوش الحربية في أفغانستان والعراق يحتاج الى التعافي. ويبدو أن الوصفة الفاعلة في هذا المجال هي تشغيل مصانع السلاح مدى عشر سنوات وأكثر لإنتاج أسلحة باهظة الثمن، وفرض شرائها على دول الاعتدال بعد تخويفها من إيران نووية ومتطرفة.
حتى لو افترضنا أن عدوّ دول الاعتدال هو تنظيم «القاعدة» فإن مواجهة هذا الخطر، بل هذا الشبح، الموزع على آلاف الخلايا المتخفية، لا يكون باستعمال أسلحة ثقيلة. هل يُعقل قتل ذبابة باستعمال مدفع؟!
قد يقول قائل: لكن أميركا في عهد بوش أو في عهد خَلَفه قد تلجأ إلى ضرب إيران بقسوة إذا ما أخفقت العقوبات الاقتصادية في حملها على التخلي عن برنامجها النووي، فهل تبقى دول الاعتدال العربية بمأمن من شرور الحرب وتداعياتها؟
إن تصريح وزير الدفاع الإيراني نجار وتصريح رئيسه أحمدي نجاد المشار إليهما آنفاً يدلان على أن حسابات إيران السياسية والاقتصادية والعسكرية قد انتهت إلى قرار بعدم المساس بدول الخليج العربية إذا ما بقيت، قولا وفعلاً، بمنأى عن آلة الحرب العدوانية الأميركية. فإيران تمتلك، على ما يبدو، قدرة صاروخية متقدمة، مؤثرة، دقيقة وبعيدة المدى لا تمكّنها من إغلاق مضيق هرمز وقطع إمدادات النفط فحسب، بل من تعطيل إنتاجه ونقله أيضاً في أماكن أخرى من المنطقة لمدة طويلة. ثم إن هناك قدرة ردعية بالغة الفعالية تستطيع إيران أن تلوّح بها وأن تستخدمها تالياً إذا ما اضطرت إلى ذلك. فهي تستطيع ان تحمي نفسها وحلفاءها، ولا سيما سوريا وحزب الله، بالتهديد بضرب إسرائيل تحديداً إذا ما قامت أميركا وإسرائيل بالمبادرة الى شن حرب عدوانية واسعة النطاق.
إن وظيفة الردع الرئيسة هي إشعار العدو بالقدرة على الردّ المتكافئ أو المتفوّق، ما يدفعه إلى وقف العدوان تفادياً لتكبّد خسائر فادحة. يبدو أنّ إيران تمتلك من القدرات العسكرية والتكنولوجية ما يمكّنها، بالتعاون مع سوريا وحزب الله، من إلحاق أذى وتدمير شديدين بإسرائيل، بالإضافة إلى القواعد والأساطيل والقوات الأميركية في المنطقة، ولا سيما في العراق، ما يدفعها الى تجاوز مصالح أميركا النفطية في الدول العربية والإسلامية وعدم المساس بها ما بقيت هذه الدول بمنأى عن المشاركة في العدوان.
غير أن هيبة إيران الردعية تبقى مشروطة بأمرين:
ـــــ قدرتها على إبقاء قدراتها الصاروخية الهجومية بمأمن من الضربة أو الضربات الأميركية الاستباقية الهادفة الى استئصالها كيما يكون في وسع إيران القيام بالردّ الثأري الفاعل.
ـــــ معرفة أميركا بوجود قدرة ردعية إيرانية فاعلة، وباستعداد حلفائها الإقليميين للتعاون والتنسيق معها عند مباشرة عملية الردّ وبعدها، وبمدى الأذى والتدمير الممكن أن تلحقه قدرات إيران وحلفائها بإسرائيل والقوات والمصالح الأميركية في المنطقة.
أين عرب الاعتدال من كل هذه الحقائق والتحديات؟
* وزير لبناني سابق