وجدان دهام
إنني أحسدك أيتها المدينة المناضلة الواقفة في وجه الريح العاتية! أيتها البلدة الوديعة المحاطة بعشرات القرى والبلدات المناضلة حولك، المتربعة على كتف الجليل ـــ على درب قانا وطريق يسوع الناصري! تقهرين وتصرعين الأعداء عند مثلث صمودك (عيترون ـــ مارون الراس ـــ ورأسك المرفوع)!
أحسدك! لأنّهم شبّهوك بي، فقد دمّر فيك الحجر ولكن عن بعد. فأرضك لم تطأها أقدام البرابرة كما وطأتني أقدام الغزاة النازيين! بقي ترابك طاهراً بكراً! لم تمسّه سوى بطون أرجل أبنائك، بقيت في ساحاتك آثار أقدام أطفالك يلعبون بالفرح والعزّ. هؤلاء الأطفال رضعوا حليب البطولة ودافعوا عنك ببسالة... وأسقطوا الموت ولم يسقطوا! طلعوا من الأشجار... من الرياح... من عيون الصبايا... من مناديل النساء... من عكازات الشيوخ وكبروا.
كم من مرة حاولت تلك الأقدام الهمجية أن تصل إلى جلّ من جلولك ولم يحصل؟ كم من أطنان البارود دكّت فيها أحياؤك وأنت شامخة الجبين؟ كم من طائرة شؤم حاولت العبث بشوارعك ولم تستطع أن تدوس سطحاً أو ساحة فيها. فـ«فداء» ورفاقه كانوا بالمرصاد يدافعون عن شرفك وعرضك.
بنت جبيل! يا عاصمة الصمود والإباء، يا عاصمة المقاومة! إنني أحسدك لأن التاريخ سيذكرك قبلي...
نسوتك زغردن لك!! لأبطالك، لعمامة القائد!! لهامته العالية!! المجلّلة بهالات النور الألوهي... نسوتك رششن الأرزّ على أبطالك العائدين من حضن الأم إلى رحمها مجدداً ليناموا قريري العين. من لم يحسدك يا بنت جبيل، سيسعى زاحفاً لطلب الغفران ليحظى بحبة تراب من أرضك الطاهرة وشتلة تبغ وحبة زيتون من سواد عيون صباياك ذخيرة!! يضعها ضمن طيات قمصانه لتبعث فيه الحياة!! وحياتك كلها وقفات عزّ يا عاصمة المقاومة!!