محمد مصطفى علوش *
يبدو أن انتصار حزب الله المدوي على رابع أقوى جيش في العالم خلال 33 يوم السنة الفائتة، كان بمثابة النفخة التي أعادت الحياة إلى حلم رئيس جبهة العمل الإسلامي الداعية فتحي يكن الحريص على تسمية ذاك الانتصار بالنصر الإلهي عند ذكره لفرط إعجابه به ورغبته الجامحة في نسخه وتعميمه في سائر المنطقة.
«يكن» الذي التقى سيد المقاومة السيد حسن نصر الله أكثر من مرة، ولا سيما بعد تأسيس «جبهة العمل الإسلامي»، جل لقاءاته تمحورت حول كيفية تشكيل جبهة مقاومة إسلامية (سنية + شيعية) في مواجهة الإمبريالية الغربية المتمثلة بالولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل.
من يشاهد هذا الرجل الطاعن في السن يرَ عجباً، شعلة من التحرك والاتصالات والبيانات اليومية، عمل دون كلل تمليه الرغبة في رؤيته لمشروعه الحلم على أرض الواقع قبل مماته. فالداعية يكن الذي برر تجميد عضويته في الجماعة الإسلامية بأنه عائد للمواقف السياسية المتخذة منها التي حرفتها عن مسارها الطبيعي، حاول أن يعوض خسارته للجماعة التي تعهدها بالرعاية والنماء بتأسيس جبهة أخرى منسوخة عن الأولى مع تعديل في النسخ، تعيد القطار إلى سكته في سبيل الحلم الذي عاش له.
قطعاً لن تستغرب هذا التشدد في المواقف التي يطلقها الرجل تجاه أميركا وإسرائيل ومن والاهما من دنيا العرب لأنه نفسه الذي كان من أوائل من حرّض وخرج في ثورة شعبية عارمة عام 1958 ضد «النقطة الرابعة» و«حلف ايزنهاور» الذي أراد فرضه الرئيس كميل شمعون على لبنان، حتى إنه كان يتصدر الخطابة في «المسجد القديم» من محلة أبي سمراء حين لم يكن هناك مسجد آخر ليحرض على شمعون، بحضور الرئيس رشيد كرامي.
يحدثك يكن عن تلك المرحلة بشيء من النشوة، مستدلاً باندفاع الناس لحمل بنادق الصيد مستعيضين بها عن السلاح الحربي المفقود حينها، طالبين من تجار السلاح تزويدهم بما هو متوافر لديهم من الأسلحة لمواجهة تغريب لبنان وأمركته.
مخطط التغريب نفسه الذي عاد من جديد مع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982م دفع الشيخ للوقوف بوجهه من خلال جبهته آنذاك المسماة «الجماعة الإسلامية» حين قاوم الاحتلال الإسرائيلي بتأسيسه «قوات الفجر»، الجناح العسكري لـ«الجماعة» وأشرف بنفسه عليه.. ها هو يعاود الوقوف في وجهه المتجدد اليوم، لكن في صنعه جبهة أخرى هي «جبهة العمل الإسلامي»، حالماً بمقاومة إسلامية تتخطى المذهبية والقطرية في مواجهة الإمبريالية المتجددة.
وعلى عجل تقوم «جبهة العمل الإسلامي» بوضع خطة، يُعكف الآن على تنفيذها، تتمحور بتجنيد 1000 مقاوم، على أن يليها تباعاً الوصول إلى 12000 مقاتل سني، يشاركون حزب الله مقاومته العدو الإسرائيلي.
وفي سبيل ذلك يذهب الداعية يكن للسيد حسن قائلاً: «نعم انتصرتم على إسرائيل، لكن لا يمكن صد الهجمة الأميركية الإسرائيلية الشرسة على الأمة إلا بفتح الجبهات وتوحيدها والاتكال على السواعد السنية التي يزيد عديدها على السواعد الشيعية، فلتكن جبهة واحدة سنية شيعية في كل مكان تقدر فيه أن تفتح ثغرة لمواجهة المحتل».
يكن الذي يؤمن بأن لبنان اليوم في قلب الصراع الدائر بين قوى الممانعة والقوى الراغبة في الهيمنة، يرى أنه لا بد أن يكون لبنان على مستوى الحدث حتى لا ينفذ العدو منه إلى قلب العالم العربي والإسلامي، حيث إنه يمثل الخاصرة الرخوة في جسد الأمة».
وفي وقت يشدد الحصار فيه على حزب الله ويضيق فريق من الحكام بمقاومته، يعاكس يكن التيّار، فيشكل جبهته أولاً في طائفته، ثم في بلده لينفذ بعد ذلك إلى العالم العربي والإسلامي، كاشفاً عن حوارات ولقاءات يديرها ويجريها مع حركات إسلامية عدة في العالم العربي والإسلامي والهدف هو توحيد الجبهات لتكون جبهة واحدة تحقق نصراً إلهياً ثانياً، لا على إسرائيل وفي جنوب لبنان وحسب، بل في العالم الإسلامي وعلى قوى الإمبريالية كلها.
يكن الذي لا يضيره وصف خصومه له بالتطرف أو «القاعدة» أو العمالة لسوريا، هو نفسه لا يضيره أيضاً أن يكشف «أن البلدات السنية اللبنانية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، بات أمنها بيد المقاومين السنة في «قوات الفجر» وذلك بالتنسيق مع حزب الله» ليشير إلى أن أهل السنة ما زالوا بخير وما زالوا هم المتصدي الأول للمشاريع الغربية، وقد برهنوا على ذلك في مواقفهم المتكررة في وجه التقسيم والتغريب والعمالة منذ نشوء دولة لبنان الكبير مروراً بحكم شمعون وانتهاء بصد الاجتياح الإسرائيلي مع إخوانهم من الطوائف الأخرى عام 82.
يكن الذي يحصر هدفه اليوم بتنشئة مقاومة سنية مستفيدة من خبرة حزب الله يرفض أن يكون منفِّذاً لقرارات وتوصيات معلبة تفرض عليه تأتي من هنا وهناك. وهو إذا كان يلتقي مع النظام الإيراني أو السوري في أمر ما، فلا يعني أنه تابع لهؤلاء، بل في ظنه أن هؤلاء هم من وقفوا في خندقه وليس هو. فهو يؤكد أن جبهته حسمت أمرها في رفض أي قرش يُقدم لها من جهة رسمية، سواء كانت جهة ممانعة أو مستسلمة خوفاً من أن يكون الزرع في غير محله.
وهو كما كان يصر على تسلم ملف قوات الفجر حين كان على رأس الهرم للجماعة الإسلامية، فهو يصر اليوم على أن يكون الملف السياسي لجبهته بيده، إضافة إلى ملف المقاومة، مسابقاً تطورات الأحداث بترسيخ الجبهة عبر تأسيس مكاتب مركزية لها، واضعاً الخطط لتوسيع قاعدتها الشعبية. فهل سينجح يكن أخيراً في تحقيق حلمه، وهل سيتخطى الخطوط الحمر المرسومة من وراء الكواليس تجاه أي قرار مقاوم في العالم العربي. هذا ما سينبئنا التاريخ به وربما في القريب العاجل.
* كاتب لبناني