فاروق حجي مصطفى *
قبل فترة كان تداول اسم نواز شريف وبناظير بوتو ممنوعاً في باكستان، كان الاسم الوحيد الأكثر رواجاً هو اسم رئيس البلاد برويز مشرف، وهو الوحيد الذي استطاع أن يفرض نفسه رئيساً وقائداً عسكرياً، يسيطر على كل مؤسسات الدولة. ولعل مصدر قوته هذا يعود الى عاملين، الأول: كونه ينطلق من خلفية عسكرية، وهذا يعني أنّه مدعوم من جنرالات الجيش والأمن. أمّا العامل الثاني، فكونه مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية، وشريكاً آسيوياً أقوى لمحاربة الإرهاب، وخصوصاً القاعدة وطالبان. بيد أنّ الولايات المتحدة الأميركية عرفتأنّ برويز مشرف لا يستطيع البقاء في السلطة المزدوجة (قائد الجيش، ورئيس الدولة) ما لم يقم بإصلاحات في بنية النظام ويفتح المجال أمام قوى انطمرت بفعل الانقلاب، للمشاركة في الحكم، و ما لم يخفف الحكم الباكستاني من ضغوط الأحزاب الإسلامية المتشددة ولا سيما القاعدة وطالبان. ماذا تعني هذه المشاركة؟
كانت الولايات المتحدة قد اقترحت على برويز مشرف ضرورة فتح الطريق امام بناظير بوتو ورئيس الوزراء السابق نواز شريف للمشاركة جدية في الانتخابات المزمع اجراؤها في نهاية العام. وهذا ما حصل بالفعل..!
نواز شريف لم يعد ممنوعاً من الرجوع الى باكستان، وهو سيشارك في الانتخابات وفي الحراك السياسي في باكستان، ولا نعرف بالضبط مدى تأثير وجوده في الحراك على الاحتقانات والتوتّرات الجارية في باكستان. إلا ان الأمر الوحيد الذي نعرفه انه مهما يكن مستوى التأثير، فإنّ أي لقاء بين الحكم والمعارضة ينعكس ايجاباً على المزاج العام الشعبي والسياسي... هذا بالنسبة لنواز شريف. اما بالنسبة لبوتو، فإنّ الأمور أخذت منحى آخر أكثر اهتماماً ورواجاً... قبل أكثر من شهر تحدثت وسائل الإعلام عن لقاء تمّ بين برويز مشرف وبناظير بوتو، وهي من أبرز وجوه المعارضة الحقة في باكستان. والحق فإنه لا أحد يستطيع أن يلوم رئيس باكستان مشرف ولا بناظير بوتو على عقدهما لقاء من هذا النوع، وذلك لعاملين: الأول، هو أن اللقاء يسهم في إيجاد نوع من الوفاق الداخلي على مستوى الشارع الباكستاني الذي يعاني الشقاق، إضافة إلى أنه يسهم في خفض حدة التوتر والاحتقانات المزمنة التي سببها بشكل رئيس الفساد الإداري المتفشّي، وأزمة إقالة قاضٍ يحظى بتأييد شعبي قوي، وخوف الإسلاميين والعلمانيين بعضهما من بعض، وتداعيات الأوضاع المتدهورة على حدود باكستان الشمالية والوضع في أفغانستان، والصراع الهندي ـــــ الباكستاني المزمن، عدا ما خلّفه الانقلاب العسكري من آثار سلبية في نفوس الشعب.
أما العامل الثاني، دون أدنى شك، فهو أن اللقاء (ومهما كان نوعه) يسهم في إنقاذ البلد من خطر التمزق والانقسام الداخلي الذي تعانيه باكستان نتيجة الانفجارات التي حدثت في عدد من المدن الباكستانية من الإسلاميين المتشددين بحجة أنها تابعة للولايات المتحدة الاميركية.
فالحديث عن باكستان كثير في هذه الأيام، وخصوصاً ما نشهده من تطورات أمنية وسياسية تنذر بخطر وتضع باكستان بين فكّي كماشة. فمن جهة، يتم تضييق مستوى الحريات وازدياد دور العسكر في الحياة المدنية إلى درجة تكهّن البعض بأن برويز في الطريق إلى الانقلاب العسكري الثاني، ومعروف أن عواقب هذا الانقلاب ستكون وخيمة حيث ستعمق الفوضى وتغرق البلاد في دائرة حرب أهلية من الصعب الخروج منها بسهولة. ومن جهة ثانية، هناك الإسلاميون (وهم كثر في باكستان) ودورهم السلبي في الحياة الاجتماعية، حيث يسهمون في خلق الشقاق في الشارع الديني وبث نعرات الطائفية، الأمر الذي يسبب العداوة بين الشيعة والسنة هناك وبين الإسلام والطوائف الدينية الأخرى.
ثمة من يرى أن باكستان بحاجة ماسة إلى استعادة روحها وإلى القيام ببعض الخطوات لتجنب الانقسام والحروب الأهلية المقيتة وهي ضارة بكل المعاني، ولعل اختيار مشرف للقاء بوتو (في الإمارات العربية المتحدة) هو من الخيارات المناسبة، ويعدّ جهداً وطنياً مناسباً لكون بوتو صاحبة قاعدة شعبية قوية في باكستان وذلك تبعاً لتراث العائلة الوطني المشهود.
مع لقاء بوتو ومشرف، يمكن التكهن بأنّ باكستان مقبلة على تغييرات مهمة في بنيان الحكم. وبعيداً عن كون مشرف يمهد لإعطاء دور قوي لبوتو، فإن التغييرات (وباكستان هي بحاجة لها أكثر من أي وقت مضى) تساعدها على لملمة الجراح وتساعد في خلق التوازن بين المعارضة والحكم مهما كانت حجم التغيرات.
اذاً بوتو، حسب الإعلام، ستكون رئيسة الوزراء في الأيام المقبلة. وبهذا المنصب ستعود إلى الحكم من جديد الذي طالما بكت عليه منذ خروجها من البلاد ومن الحكم. بوتو ستعود إلى الساحة السياسية والإدارية من جديد وهي بكل تأكيد، ستواجه زمناً صعباً وتحدياً حقيقياً لا من الإسلاميين المتشددين فحسب بل إن استحقاق المرحلة الباكستانية يتطلب منها أن تكون قادرة على تجاوز أخطائها في الماضي وتكون مختلفة في سلوك الإدارة وتنبذ الفساد حتى من المقربين لها، وتوفر الحريات ولقمة العيش لأبناء بلدها الذين يتشوقون لعودتها.
قبل سنين قرأت مقالاً في إحدى الصحف العربية حيث كان الألم والحزن واضحين في المقال، نقتبس: «لا السجان يبقى دائماً سجاناً ولا السجين يبقى في كل حياته سجيناً ولا رئيسة الوزراء باقية دائماً رئيسة وزراء..». واليوم إذا صدقت الوسائل الإعلامية، فستعود بوتو من جديد ولن تبقى كل عمرها مهجورة ومتعبة، لكن المطلوب هو أن تسعى لجعل باكستان بلداً آسيوياً منسجماً مع نفسه ومتجاوباً مع الآخر، ومواكباً للأحداث والتغييرات الكونية والإقليمية والمحلية... والسؤال، مع عودة بوتو وشريف، هل تستعيد باكستان وفاقها الداخلي وتنقذ نفسها من الحروب الأهلية؟
* كاتب سوري