ياسين تملالي *
«الجزائر 1954-1962، ضباط قالوا لا للتعذيب» (بالفرنسية)، جان شارل جوفري، دار الشهاب، الجزائر 2007
يتناول مؤلف هذا الكتاب، وهو الاختصاصي في التاريخ العسكري الفرنسي، تعامل الجيش الاستعماري الفرنسي مع قضية التعذيب إبان ثورة التحرير الوطني. ويختلف الكتاب جذرياً عن كل ما كتب في هذا المجال في السنوات الأخيرة في كونه لا يقصد إلى التنديد بالجرائم الاستعمارية بقدر ما يهدف إلى شرح تاريخ اللجوء إلى التعذيب كوسيلة استخبارية وما نتج منها من «أزمات ضمير» لدى الكثير من الضباط، أزمات مردّها أحياناً إلى اقتناعهم الراسخ بأن قانون الشرف العسكري جزء لا يتجزأ، وأحياناً أخرى إلى تكوينهم الإيديولوجي الكاثوليكي أو اليساري.
وينتهي جان شارل جوفري في القسم الأول من مؤلفه إلى استنتاج مفاده أن ممارسة التعذيب لاستنطاق أعضاء جبهة التحرير لم تكن يوماً ما جزءاً من مخططات القيادة العسكرية الفرنسية وأنها فرضت تدريجاً في الميدان، في خضم المفاجأة الناتجة من اندلاع الكفاح المسلح، من طرف هيئات استخبارية مرتجلة. وينتهي إلى استنتاج آخر مفاده أن شخصية القائد وتاريخه الشخصي (مشاركته أم لا في جيش مقاومة النازية الفرنسي) كانا هما المحددين في قبوله ممارسة التعذيب أو رفضه له والتنديد به. أما القسم الثاني من الكتاب فهو ملخص لحالات رفض فيها ضباط فرنسيون بمن فيهم جنرالات ذوو تاريخ عسكري باهر، اللجوء إلى العنف الجسدي بدافع القناعة الدينية أو الإيديولوجية.
من مؤلفات الكاتب الأخرى: «جنود فرنسيون في الجزائر (منشورات أوترومون، باريس، 2000)، و«رجال ونساء إبان حرب الجزائر» (الناشر نفسه، 2000).
«مواطنة من دون استئذان» (بالعربية)، عبد الناصر جابي، دار الشهاب، الجزائر 2007
«مواطنة من دون استئذان» مجموعة مقالات تتطرق إلى عدد من الظواهر الاجتماعية الملاحظة أساساً في الجزائر منذ بداية فترة التعدد السياسي وما تلاها من صدام سياسي بين الدولة والجماعات الإسلامية المسلحة.
عبد الناصر جابي مختص في تاريخ الحركات الاجتماعية والانتخابات الجزائرية، غير أنه تفادى في هذه المقالات الطويلة، التي سبق أن نشرها في العديد من الجرائد، اللغة الأكاديمية المعقدة، مستعملاً في وصف الظواهر التي رصدها لغة صحافية سهلة، فيها أحياناً بعض التهكّم وروح الدعابة. ومن ضمن المواضيع التي تطرق إليها «سلوك الجزائري الانتخابي» وما يكمن وراءه من تصور لدور الأحزاب والدولة، تصور هو في حد ذاته نتاج لترسبات ثقافية كثيرة أقدمها يعود إلى الفترة الاستعمارية وما ميّزها من تزوير شامل للانتخابات وتضييق عنصري على حضور الجزائريين في المجالس المنبثقة عنها. موضوع مهم آخر تطرق إليه عبد الناصر جابي في هذه المقالات: تحليل تطور الحركات الاجتماعية (الحركة الثقافية الأمازيغية، الحركة النسوية) واشتداد دورها السياسي على حساب دور الحركة العمالية التي تعيش منذ ولادتها أزمة عميقة، أزمة نشوئها في خضم الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال ونموها في ظروف سياسية شديدة الخصوصية، في ظل نظام اقتصادي تخطيطي حوّل الأُجراء إلى مجرد «أعوان تنمية وطنية».
من مؤلفات عبد الناصر جابي الأخرى «الانتخابات، الدولة والمجتمع»، (دار القصبة، الجزائر، 1998).
«أقتلوهم جميعاً»، رواية، سليم باشي، (ترجمها عن الفرنسية محمد ساري)، دار البرزخ، الجزائر 2007
تروي «أقتلوهم جميعاً» الصادرة في نصها الأصلي الفرنسي عن دار جاليمار الباريسية في 2006، اليوم الأخير من حياة انتحاري إسلامي قرر تفجير طائرة فوق برجيْ مركز التجارة العالمي. إلا أن الكاتب تجنّب أن يجعل منها قصة بوليسية، فلا أثر فيها لوصف تحضيرات التفجير ولا للوجيستيك «المنظمة».
وقد فضّل سليم باشي بدلاً من ذلك رسم بورتريه انتحاري قليل الشبه بانتحاريي الحادي عشر من سبتمبر، كما قدمتهم للرأي العام وسائل الإعلام الغربية. سيف الإسلام ليس بالمناضل المتزمّت الذي يقضي الليلة الأخيرة من حياته في التعبّد استعداداً للاستشهاد، وليس عديم الازدراء لإخوانه «المجاهدين» الذين ينظرون إليه باستغراب كلما ساءلهم عن شرعية مشاريع المنظمة التفجيرية. وهو، عكسهم، متأكد تمام التأكد من أن مكانه بعد موته لن يكون في الجنة «جالساً إلى يمين الرسول». لماذا يبدي إذاً كل هذا التحمّس للقيام بمهمته؟ الرواية مونولوج طويل يسترجع فيه بلغة مهلوسة فيلم حياته، ميلاده في الجزائر، دراسته في جامعات أوروبا ورفض المجتمع الفرنسي له لكونه «ينتمي إلى حضارة المغلوبين»، ليكتشف مع القارئ أن دافعه الشخصي من وراء عمليته التفجيرية ليس «تدمير العدو الصليبي» بل الانتقام لنفسه ولأجداده من «غطرسة الغرب المتعجرف».
من مؤلفات سليم باشي الأخرى وكلها بالفرنسية «كلب أوليس» (2001) و«الكاهنة» (2003)، روايتان صدرتا عن دار غاليمار الباريسية، وقصة بعنوان «أوتوبورتريه مع غرناطة» (2005) عن منشورات روشيه (فرنسا). ومن أعماله مجموعة قصص قصيرة عنوانها «حكايات منتصف الليل الاثنتا عشرة»، صدرت في منتصف أيار 2007 عن منشورات البرزخ ودار غاليمار بباريس في آن واحد. «أقتلوهم جميعاً» هي عمله الوحيد المترجم إلى العربية.
«حفار الثقوب»، رواية (بالفرنسية)، شوقي عماري، دار البرزخ، الجزائر 2007
«حفار الثقوب» تجلٍّ آخر لهوس شوقي عماري بالصحراء الكبرى وبألغازها. هذا الهوس نفسه الذي كان موضوع «الطريق رقم 1» (دار القصبة، 2007)، هو عبارة عن دفتر سفر عبر الطريق الوطني الأول الذي يربط أقصى الشمال بأقصى الجنوب على مسافة 2400 كيلومتر.
تشابك ثالث روايات شوقي عماري سير عدة شخوص تتميز كلها بغرابتها شبه السوريالية: «طرابلسي» الذي يجوب بشاحنته الصحراء من أقصاها إلى أقصاها متاجراً في كل شيء، «رميتي» صاحبة المقهى المنبثق من العدم في قلب الفراغ الصحراوي، «عيسى وموسى» المختصان في ترميم الطرق وردم الثقوب، وخصمهما «أكلي»، حفار الثقوب القادم من الشمال بوجهه الشاحب وعينيه الخضراوين. الثقوب في هذه الرواية القصيرة رمز البحث المهووس عن ماضي الصحراء السحيق، المتخفّي تحت ملايين الأطنان من الرمل والحجارة والذي لم يعد يهمّ أحداً: «كل صباح، يعثر المصريون على شيء ما في صحرائهم. يستيقظون، يحفرون قليلاً ويسلطون الضوء على جزء من تاريخهم، على طلل غابر أو قطعة خزفية أو مومياء. (...) هنا، عندما نحفر لا نقع إلا على علب تونة صدئة وأكياس بلاستيكية سوداء».
بعض أجزاء «حفار الثقوب» وصفية بحتة، يصف فيها الكاتب بنوع من الغنائية الحزينة الفضاءات المعدنية الصحراوية: «العرق» وكثبانه الأبدية، و«الحمادة» والملايين من أحجارها الصغيرة الحادة، فضاءات كانت مهد الإنسانية وقد تكون أيضاً، يقول الكاتب، صورة خاطفة عما سيؤول إليه يوماً ما كوكب الأرض.
من أعمال شوقي عماري الأخرى «بعد غد» (رواية، الشهاب، 2006)، وأقمار فردية (الناشر نفسه، 2004) وكلها بالفرنسية.
*كاتب جزائري