أسعد أبو خليل
اعترض السيّد عبد الله رزق على مقالتي المنشورة في «الأخبار» تحت عنوان «من ينقذ الشيعة (غير سعد ‏الحريري)؟».‏
أوّلاً، يردّ الكاتب على العنوان قائلاً إنه يرفضه. لكن ليس لكاتب أن يرفض عنوان كاتب آخر أو صياغته، إلا إذا ‏كان الكاتب يرى أنّ على الكتّاب في لبنان اليوم أن يعرضوا مقالاتهم على لجنة مركزية في قريطم، للقبول أو ‏الرفض، ولاختيار العناوين. له ألا يستسيغ العنوان، لا أن يرفضه. كذلك لي ألا أستسيغ عنوان مقالته لا أن أرفضها.‏
ثانياً، يسهّل الكاتب مهمتي في الرد. فهو من ناحية يعترض على وصفي للتيار المذكور بأنّه ملحق بآل الحريري ‏وماكينته السياسية، ويعود من ناحية ثانية ليقول استهلالاً: «سعد الحريري يسعى لإنقاذ لبنان من براثن التمزّق ‏والفتنة». إذا كان القارئ بحاجة لإثبات ما سقته من توصيف للتيار المذكور، فقد أتى في الجملة المذكورة، ‏وللقارئ (وللقارئة) الحكم.
ثالثاً، يعترض صاحبنا على «التهكّم والسخرية»، وهما من صلب الحياة (أو ليسوا هم من محبّي الحياة؟) ومن صلب ‏التعبير الأدبي، العربي خصوصاً.
رابعاً، يقول الكاتب إنّ الشيعة ليسوا في مأزق ولا في حاجة إلى إنقاذ. هنا أفهم أسباب اعتراض الكاتب على ‏السخرية وعلى المفارقة لأنّ تضاعيفها وثناياها تفوته، يا للأسف. فأنا تكلّمت على المأزق من منظور تعامل ‏السلالة الحاكمة وخطابها، وبصورة ساخرة من خطابهم هم، لا من واقع الشيعة.
خامساً، ينفي الكاتب صفة الطائفية عن تيّاره. لكن هل هي الصدفة إذاً التي فرضت الصفاء الطائفي على من حضر من قادة التنظيم وأعضائه؟ (طبعاً، يمكنه أن يزعم أنّ التيار موجود بقوة، لكن بسرية في كل ‏الطوائف، فيما يبدو أنّهم لم يتلقوا دعوات إلى حضور الإعلان الطائفي).‏
سادساً، يضيف الكاتب المتنوّر طبعاً كلاماً عن الشيعة وتاريخهم يدخل في باب الديماغوجية الطائفية، وهذا باب ‏أرفض مبدئياً أن أدخل فيه. ويراوح الكاتب بين ادّعاء المدنية (هل أحمد فتفت ـــــ ما غيره ـــــ مثال للدولة ‏المدنية، نسأل؟) وبين الكلام الطائفي المبتذل، وهو سهل التداول في الحياة السياسية اللبنانية.‏
سابعاً، بعد أن يدرج الكاتب كلاماً على تاريخ الشيعة ـــــ والتيار غير طائفي، حتى لا ننسى ـــــ يؤكّد أنّ مطلب التيار هو ‏لبنانيّ «بامتياز». حسناً، إذا كان المطلب لبنانياً بامتياز، فلماذا استثني غير الشيعة من الدعوة إلى الانخراط في التيار، أو ‏على الأقلّ حضور حفلة إطلاقه العرمرمية؟ يعود الكاتب ليقول إنّ سبب حصرية الدعوة بالشيعة يعود إلى «غنىً» ‏في التراث الشيعي، وفي هذا الكلام إهانة للطوائف الأخرى، وكأنّ تراثها يعاني الفقر والضحالة. ثم مطلب دعم الجيش: هل هناك من لا يدعم الجيش في لبنان اليوم ومن لا يؤيد دكّه ‏بالمدفعية الثقيلة لمخيم الفقراء في البارد؟ إلا إذا كان المراد المزايدة ليس إلا.‏
ثامناً، أخذ الكاتب عليّ انتقادي للتيّار المذكور واتّهمني بأنّني أدخل في منطق بوش أو بن لادن («إمّا معنا أو ضدّنا»). ‏لقد التبس الأمر على الكاتب وتشوّشت الرؤية أمامه، ربّما بسبب عدم فهمه للسخرية في الكتابة. لم أفهم هذا الاتهام ‏خصوصاً أنّني أنتمي إلى اليسار العلماني (اليسار الحقيقي، لا يسار الحريري المتمثّل في الياس عطالله طبعاً) لا إلى ‏الحركات السياسية السائدة في أوساط الشيعة في لبنان. كذلك لم أستعمل عبارات التخوين التي يجيدها من يدافع ‏عنه (سعد الحريري) والذي يصف من يعارض مرشّحيه في أية انتخابات بـ«القتَلة».‏
تاسعاً، عندما تحدّثت عن تماسك في الرأي العام الشيعي، كنت ألجأ إلى مصطلحات علميّة في دراسة الرأي العام. أي ‏إن كلامي كان وصفياً، لا تقويمياً. وأنا أرفض مبدأ التماسك أو التراصّ في الرأي العام، وهو مفسدة من سمات ‏المجتمع الطائفي في لبنان. لكن التنوّع في الرأي واتّساع مروحة الآراء يجب أن يأتيا عفوياً وتلقائياً، لا بإيعاز ‏مالي.‏
عاشراً، الحديث عن الدولة المدنية لا معنى له ممّن يؤيّد العائلة التي أدّت دوراً من أخطر الأدوار في التأجيج ‏الطائفي والمذهبي. لا يستطيع فؤاد السنيورة، الذي ماثل الزرقاوي في لجوئه إلى ملاذ الطائفية، مثلاً، أو من ناصره، أن يرفع راية الدولة المدنية.‏
حادي عشر، يعود كاتبنا إلى الديماغوجية في كلامه على «رفع تحية إكبار واعتزاز بالجيش والقوى الأمنية...» ثم ‏يتساءل عن سبب إهمالي للبيان السياسي. لم أكن أدري أنّ تحيّات الإكبار والاعتزاز تدخل في باب الفكر السياسي. ‏فمن واجبنا نحن الذين ندرّس مادة العلوم السياسية أن نُدخل موضوع «تحيات الإكبار والاعتزاز» في المنهج المقرّر. ‏فاتنا ذلك. نعد أن نعامل باسم السبع من الآن فصاعداً، مثلما نعامل مفكّرين من طراز ماركس وروسو ولوك.‏
ثاني عشر، يتحدّث كاتبنا عن رفض التمييز المذهبي، لكن كلامه على الحريري يضفي شكّاً على ‏صدقية الكلام.‏
ثالث عشر، يسخر الكاتب في نهاية ردّه من النضال ضدّ الإقطاع السياسي. وهذا يؤكد المنحى السياسي للّقاء المذكور. ‏ويستطيع اللبنانيون واللبنانيات من مختلف الطوائف أن يفاخروا في نضالاتهم ضد الإقطاع السياسي على مر القرون. فخر لهم، هذا النضال. وصاحبنا، صاحب الكلام على الدولة المدنية، يريد للتاريخ أن يعود القهقرى لإعادة تنصيب ‏عائلات الإقطاع. وهنا، يحضرنا استشهاد ماركس الشهير بهيغل في مستهلّ كتابه «18 من برومير لويس بونابرت».‏