علوان أمين الدين *
في 14 أيار عام 1948، أُعلنت «دولة إسرائيل»، وفي 12 أيار 1949، انضمت إلى الأمم المتحدة. مدّة زمنية تقل عن العام، ارتُكبت فيها العديد من المجازر والمكائد.
دخولٌ أرادته إسرائيل لتتمتع بالاعتراف الدولي رغماً عن إرادة العرب وحقوقهم، ولكي تأخذ الشرعية والغطاء الدوليين محاولةً بكل الوسائل أن تحصل على مقعد داخل المنظمة التي لم تنفّذ أياً من قراراتها إلا رغماً عنها.
من هنا، توجد العديد من التساؤلات التي تقتضي الإجابة عنها، ومنها: ما هي شروط الانضمام الى الأمم المتحدة؟ وما هي محاولات إسرائيل للانضمام؟ ما هي الموجبات التي فرضها عليها قرار القبول؟ ما هي التبعات القانونية لعدم التنفيذ؟ ما هو الدور الحالي لبعض الأنظمة العربية لإنقاذها من مأزقها الذي تتخبط فيه؟ هل يحق للعرب التصرف بما لا يملكون؟
أ ــ شروط الانضمام:
نصّت عليها المادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، والفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية في قرارها بتاريخ 28/5/1948، وهي:
1 ــ أن تكون دولة مستقلة ومحبة للسلام.
2 ــ أن تقبل بالتزامات الميثاق وترى المنظمة ذلك.
3 ــ أن تكون الدولة راغبة في تنفيذ التزاماتها.
ب ــ محاولات إسرائيل للدخول:
قدمت إسرائيل، في 29 تشرين الثاني 1948، طلباً الى الأمين العام للأمم المتحدة من أجل انتسابها الى المنظمة. وعرض الطلب على مجلس الأمن في 17 كانون الأول فرفضه على أساس أن الدولة الجديدة لم تستوفِ بعد الشروط التي ينص عليها الميثاق، وعلى أساس أنها ما زالت تعتدي على (أو تحتل) الأراضي التي خصصها قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة، عام 1947، لـ«دولة عربية» أو لـ«قطاع القدس الدولي».
وبعد هذا الإخفاق، لم تهدأ المساعي والجهود نحو الحلفاء من أجل الضغط على أعضاء المنظمة لقبول هذا «العضو الجديد».
في 24 شباط 1949، تقدمت إسرائيل بطلب جديد «ناقشه مجلس الأمن في 4 آذار، ووافق عليه بأغلبية /9/ ضد واحد (مصر) وامتناع واحد (بريطانيا)... وورد في القرار أن إسرائيل دولة محبة للسلام وقادرة وعازمة على تنفيذ التزاماتها التي يتضمنها الميثاق. وبناء على ذلك يوصي (مجلس الأمن) الجمعية العامة بقبول إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة»، وهكذا كان.
ففي 11 أيار 1949، ناقشت الجمعية العامة التوصية وصُوّت على قبول «إسرائيل» عضواً من أعضائها، وجاء في قرار القبول ما يلي:
«إن الجمعية العامة، إذ تأخذ علماً... بالتصريح الذي تقبل فيه إسرائيل، من دون أي تحفّظ، الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد بها منذ اليوم الأول الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة...، وإذ تُذكِّر (الجمعية العامة) بقراريها الصادرين في 29/11/1947 (قرار التقسيم) و11/12/1948 (قرار إعادة اللاجئين والتعويض عليهم)، وتأخذ علماً بالتصريحات والإيضاحات التي قدمها ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة بشأن تنفيذ القرارين المذكورين...، تقرر أن إسرائيل دولة محبة للسلام تقبل بالتزامات الميثاق وتقدر على القيام بها ومستعدة لتنفيذها. وتقرر قبول دولة إسرائيل في منظمة الأمم المتحدة».
بعد قبولها بقليل وتحديداً في 28/7/1949، تقدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية بمذكرة رسمية الى اللجنة الفنية التابعة للجنة التوفيق الفلسطينية تقول فيها: «إن الساعة لا يمكن أن تعود الى الوراء... إن عودة أي لاجئ عربي الى مكان إقامته الأصلية هي شيء مستحيل». وأعلن دايفيد بن غوريون، في 25/12/1949، أمام الكنيست، أن «إسرائيل تعتبر هذا القرار (أي قرار التقسيم) قراراً غير مشروع وغير موجود».
جـ ــ الموجبات التي فرضها قرار القبول وآثارها:
في هذا الإطار، يقول أ.د. محمد المجذوب إن الجمعية العامة قد ربطت «ربطاً مباشراً ومحكماً بين قبول إسرائيل في العضوية وبين وجوب تنفيذ القرارين المذكورين. وبذلك تكون إسرائيل الدولة الوحيدة التي قُبلت في العضوية بشروط، وارتبط قبولها بتنفيذ بعض القرارات المعينة الصادرة عن الجمعية... وبما أن إسرائيل (قد) أخلّت ولا تزال تخلّ بكل التزاماتها وواجباتها المنبثقة من عضويتها، فعلى الأمم المتحدة أن تراجع موقفها من هذه العضوية».
استناداً إلى الرأي السابق، نرى أمرين مهمين:
1 ــ إن شرطيْ قبول إسرائيل في الأمم المتحدة يعتبران من الشروط الواقفة، أي إن حقوق العضوية لا يجب أن تمارس الى حين تنفيذ القرارين السابقين موضوع الشرطين، لكون ذلك يتوافق مع القواعد العامة والمنطق القانوني.
2 ــ إن المندوب الإسرائيلي، وعند التصويت في الجمعية العامة على قرار القبول ومع فارق التوقيت بين لوزان ونيويورك، مارس التدليس عبر نقله خبر التوقيع على بروتوكول لوزان، ونقل رغبة إسرائيل في التخلي عن الأراضي التي احتلتها خلافاً لقرار التقسيم والسماح للّاجئين بالعودة (وهو الأمر الذي لم يحدث حتى اليوم)، فالتدليس هو عيب من عيوب الرضا الذي يمكن الاعتماد عليه لفسخ العقود والاتفاقات.
د ــ محاولات العرب وتنازلاتهم:
يدور الحديث اليوم عن إعادة إحياء المبادرة العربية للسلام التي أُقرت في قمة بيروت 2002، والتي فُعّلت في قمة الرياض 2007، وكُلّف كل من مصر والأردن بمهمة التفاوض مع إسرائيل.
إن في ذلك سوء نية، من قبل بعض الأنظمة العربية، لا يمكن التغاضي عنه، فإسرائيل لا تزال تفتعل الأزمات والحروب مع العرب بسبب أو بغير سبب (وآخرها عدوان تموز)، من دون الاكتراث للعرب أو لحقوقهم.
بعض الأنظمة العربية تقوم بالتفاوض عن الشعب الفلسطيني وعلى حقوقه، فإذا كان بلفور قد «أعطى ما لا يملك الى من لا يستحق»، فهذه الأنظمة، ببعض من يمثلها، «تتنازل عمّا لا تملك لمن لا يقتنع».
* باحث لبناني