ماجد عزام *
كأنه موسم الهجرة إلى فلسطين المحتلة، هكذا يمكن وصف العراضة السياسية التي شهدتها فلسطين المحتلة بدءاً من زيارة وزير الخارجية السويدي ثم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وبعد ذلك وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، العراضة استمرت حتى وصول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع نهاية هذا الأسبوع، علماً بأن ثمة زيارة محتملة لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الأسبوع المقبل.
وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس هي المايسترو أو المنظم المركزي لهذه العجقة الدبلوماسية، وهي نسّقت كل شيء مع الزوار المهمين سواء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي اجتمعت معه مباشرة في القدس المحتلة أو مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رئيسة الدولة الأوروبية الأقرب إلى إسرائيل، كما تصفها الصحف الإسرائيلية التي وصفت أيضاً بان كي مون بأنه الأمين العام الأقرب لإسرائيل منذ ستين سنة أي منذ تأسيس الأمم المتحدة نفسها.
في الشكل نحن أمام ترجمة للحل الوسط الذي تم التوصل إليه أثناء التشاور الهاتفي للجنة الرباعية الأسبوع الماضي والذي تضمّن موقفاً أميركياً لا يقاطع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بل يتواصل معها بطريقة ما. هكذا يمكن تفسير لقاء القنصل الأميركي في القدس جيكوب والاس مع وزير المال سلام فياض، وذلك مقابل عدم قيام دول الاتحاد الأوروبي برفع الحصار المفروض على الحكومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني والاكتفاء مرحلياً بلقاءات مكثّفة ومتواصلة مع الوزراء المستقلّين والفتحاويين أي غير المنتسبين إلى حماس، وطبعاً الرئيس محمود عباس.
في الجوهر نحن أمام سياسة التذاكي والتشاطر عينها التي اتّبعتها الخارجية الأميركية طوال الربع الأول من عام 2007 عبر إعطاء الانطباع بأن ثمة تحركاً أميركياً جدياً على المسار الفلسطيني يمثّل ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، والتي تهدف إلى تشكيل محور المعتدلين العرب لدعم السياسة أو اللاسياسة الأميركية الجديدة في العراق ومساندتها أساساً واستطراداً تجاه إيران ومستجدات ملفها النووي.
غير أن الجديد في زيارة رايس الرابعة للمنطقة منذ بداية عام 2007 يتمثّل في الاستثمار الفجّ والمفضوح للمبادرة العربية للسلام التي صدرت عن قمة بيروت عام 2002، لا من أجل الوصول إلى سلام عادل وشامل وجدّي في المنطقة بل من أجل إخراج اسرائيل وأميركا من المشاكل والمطبّات العديدة التي تواجههما سواء داخلياً أو خارجياً.
وبتفصيل أكثر، نحن أمام جهد أميركي إسرائيلي لإفراغ المبادرة من محتواها وقلب أولوياتها ومعادلاتها الرئيسية بحيث تتغير هذه من التطبيع مقابل السلام بين الدول العربية واسرائيل وانسحاب هذه الأخيرة من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب حزيران 1967 وحل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194، إلى معادلة التطبيع مقابل الأفق السياسي، أي أن تبادر الدول العربية إلى التطبيع مع اسرائيل وإقامة علاقات ديبلوماسية وعلاقات تجارية وثقافية مقابل استعداد اسرائيل لفتح الأفق السياسي مع الفلسطينيين، وهي أصلاً فكرة وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني وأضحت أميركية الغلاف والطابع بعد تبنّي كوندوليزا رايس لها، وتتضمن نقاشاً نظرياً في طابع الدولة الفلسطينية وأسسها وسيادتها وتصورات الحل النهائي، شرط أن لا يُطبّق ذلك إلا عندما يتهيّأ الظرف المناسب وفق الجدول الزمني لخريطة الطريق التي تتضمن في بندها الأول تفكيك البنى التحتية للمقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها، الأمر الذي تعي رايس أن تطبيقه مستحيل لأنه سيؤدي حتماً إلى اندلاع حرب أهلية فلسطينية، وهو خيار لا يوجد طرف فلسطيني مستعد لتبنّيه والوقوع بين براثنه.
المعادلة الجديدة ستستلزم بالطبع آليات أو طرق عمل جديدة ــ وهنا أيضاً يمكن فهم هذا التزامن بين زيارة كوندوليزا رايس وبان كي مون وأنجيلا ميركل ــ تعتمد على المزج في العمل بين الرباعيات أي الرباعية الدولية المؤلفة من أميركا وأوروبا والأمم المتحدة وروسيا، والرباعية العربية المكوّنة من مصر والسعودية والأردن والإمارات، وسيكون ثمة تنسيق وتواصل بينهما، وكذلك مع اسرائيل والسلطة الفلسطينية، بحيث نجد أنفسنا أمام تنفيذ رايس للمعادلة الجديدة المتمثّلة في تطبيع عربي مع اسرائيل مقابل أفق سياسي ما وحتى مقابل استعداد اسرائيل لمناقشة القضايا المرحلية مع السلطة الفلسطينية أو رئاسة السلطة بالأحرى، والمتمثلة في قضايا المعابر وحرية الحركة للاجئين والبضائع والأسرى والأموال الفلسطينية المحتجزة لدى اسرائيل.
المعطيات والاستنتاجات السابقة ترجمتها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في مؤتمرها الصحافي الختامي في القدس المحتلة الذى لخّص كل شيء، إذ دعا العرب إلى أن يمدّوا أياديهم إلى اسرائيل ويبيّنوا حسن نواياهم. إذاً الأفق السياسي مرتبط بالمدى الزمني لخريطة الطريق، والعقدة الأهم للوصول إلى الدولة الفلسطينية وحلحلة الجمود في عملية التسوية تتمثل في حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لا في ضعف حكومة إيهود أولمرت وتطرّفها في الوقت عينه أو في التماهي الأميركي التام مع المصالح والمواقف الإسرائيلية.
يمكن توقّع ان تصل الانتهازية الأميركية الى حد التماهي مع المقررات الأخيرة للقمة العربية وتشجيع الدول العربية على تفعيل المبادرة والانطلاق نحو سلسلة اجتماعات بين لجنة تفعيل المبادرة واللجنة الرباعية الدولية، على أن يتم التحوّل بعد ذلك الى لقاءات مع الجانب الاسرائيلي بحجة شرح المبادرة وتشجيعه على التفاعل معها وكسر الحاجز النفسي في التعامل مع اسرائيل، بحيث يتحقق جوهر استراتيجية رايس، أي يحدث التطبيع مقابل استعداد اسرائيل للاستماع الى الأفق السياسي الذى قد تفتحه أمامها المبادرة العربية.
أحد المحلّلين قال إن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تلعب الآن في المنطقة بطريقة 4-2-4 (الرباعيتين الدولية والعربية أو لجنة تفعيل المبادرة بمسمى آخر، وبينهما إسرائيل والسلطة الفلسطينية أو نصفها)، مع العلم بأن هذه الطريقة قديمة جداً في اللعب تجاوزها وعفا عليها الزمن حتى آخر رموزها العظام المجري بوشكاس الذي رحل عن دنيانا من فترة، فضلاً عن أننا حتماً لسنا في حاجة إلى رباعيات رايس الجديدة التي مصيرها الفشل بالتأكيد في ظل الإصرار العربي على عدم تعديل المبادرة لتتساوق مع المطالب الاسرائيلية، وعدم التخلّي أو ترك حكومة الوحدة الفلسطينية عرضة للضغوط والابتزازات الأميركية والاسرائيلية .
* مدير مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام