DEAL OR NO DEAL

  • روز زياده

    آسف لاستعمال العنوان، وبالإذن من صاحبه. ولكن ما نحن في صدده، أقرب الى العنوان وأبعد من النتيجة الإيجابية. نحن أصحاب العلبة التي تحمل أكبر جائزة إنْ نحن أتقنّا اللعبة. اللبنانيون حملوا علبة الموالاة والمعارضة، ولم يربحوا. الموالاة والمعارضة حملت علبة الخارج، ولم تربح. أين الخلل؟ في العلبة أم في مهارة إدارة اللعبة؟ في غياب القدرة على توقيت التلفّظ بـ«deal» والطمع في ربح أكبر، أخفقنا بتحديد وقت التلفظ بـno deal. كيف نخرج من قاعة الخسارة؟ نداءان صدحا في آذاننا، فانقسمنا ظنّاً منا بأن أحدهم على حق وأنه مخلّصنا من رواسب حرب هُدر فيها العمر والأبناء والأموال. عام 1996 انتخبوا وعام 2000 انتخبنا وعام 2005 انتحبنا ومن ثم انْتَخبنا ولكننا بقينا حيث كنا.
    لا الانتخاب أحيا مؤسساتنا، ولا نحيبنا أعاد من القبور أمواتاً لنا.
    في الأسبوع الماضي كنت أتابع الأستاذ مارسل غانم وهو يحاور الدكتور غسان سلامة الذي عدّد الأوقات والمناسبات التي أضاع فيها اللبنانيون فرصة تحصين لبنان بالعمق، وتثبيت مؤسساته على أرض صلبة، ورفع اقتصاده، وتنشيط سياحته، والحفاظ على إنسانه في بلده، والحد من هجرة الأدمغة.
    مَنْ الذي أضاع الفرص والمناسبات؟ نحن يا دكتور غسان مقامرون، أجل! المقامر أكثر من مغامر وبين المقامرة والمغامرة ضعنا. بين العنجهية والغرور تسيّبت مؤسساتنا، ودُمّر إنساننا. وبين الانتخاب والانتحاب سنقول للّه يا محسنين.


    قدر

  • المهندس فيصل بدير

    قد كان قدر سليم الحص أن يحمل همّ الاقتصاد لحظة ولوجه الحرم الجامعي أولى سني شبابه الغض.
    وكان قدره أيضاً أن يغوص في لجّة الأرقام المتلاطمة في مصرف لبنان المركزي، وهو يعمل جاهداًَ أن يستوفي شروط ضميره الوطني.
    وكان قدره أيضاً حين ألهم الله الياس سركيس أن يضم صديقه الطيب الودود إلى «نادي رؤساء الحكومة» المحتكر من مجموعة تتناوب على رئاسة هذا النادي. وكان قدره كذلك أن يؤمن بمذهب الدولة لا بدولة المذهب، ودون ذلك أمواج عاتية لا يزال يصارعها في سنّه المتقدمة، ويغالبها أملاً في غلبتها.
    وكان قدره أيضاً وأيضاً أن يرأس أول حكومة للجنرال الأبيض بعد ما يشبه أيضاً الانقلاب الأبيض، وليلقى من «أهل البيت» الظلم، وأي ظلم.
    فهو كما غيره تحكمه لعنة الطوائف، وليس له إلا أن يرأس «دولة» المذهب ذات الحدود المرسومة من النظام المطيّف، وما عليه إلا أن يقاتل بقية «الدول» دفاعاً عن حدود «دولته» كي لا يشعر شعب تلك الدولة بالإحباط، ذلك الشعور الذي تتناوب عليه «شعوب» تلك الدول كلما نشّز رؤساؤها في عزفهم على الأوتار عينها التي برع غيره في العزف عليها، حتى يكاد يحس سليم الحص بأنه بات وحيداً وغريباً.
    فإما ارتكاب المعصية المذهبية، وإما أن يذهب بعفّته السياسية الى عائشة بكار، وينفض من حوله من كانوا حول غيره وغيره وغيره، ولتتغير الوجوه والأسماء، لكن بالذهنية عينها.
    كلها خيارات مرّة، لكن الأمرّ منها أن يختار سليم الحص عكس قناعاته الوطنية، تلبية لنداء «الواجب» المذهبي.
    إنها لعبة جهنمية ارتكبها قبله الكثيرون، وهم، وإن كسبوا «الأكثرية»، قد خسروا حتماً مقعدهم في مجلس صنّاع التاريخ. واليوم، وقد بلغ به العمر ما بلغ، أطال الله بعمره، فإننا نردد تلك المقولة المشبعة بحكمة السنين والأجداد: ما بقي من العمر أكثر مما مضى.
    ولأن سليم الحص رجل دولة حكيم، فإنه مدعو الآن، بل، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يبقى ضمير لبنان.
    لبنان الذي نتمناه، لا لبنان الذي ورثناه. لبنان الذي تحكمه دولة القانون العام، لا الذي تحكمه دويلات القوانين الخاصة.
    فما بين الثوابت والمتحركات لا يصنع الدول إلا الثوابت.
    ولأن الثوابت واضحة معالمها فلندع القدر يلعب لعبته.
    صحيح أنه قدر أحمق الخطى، لكنها أبداً لن تسحق هامة سليم الحص الشامخة خطاه.