غادة حب الله *
يمثل لبنان في نظر الأميركان البوابة الرئيسية للشرق الأوسط والعرب، فبحسب رؤيتهم الجيوسياسية من يسيطر على لبنان يسيطر على الشرق الأوسط. بالتالي إن قيام فدرالية في لبنان يمثل في نظر ادارة بوش المفتاح لتحقيق مشروع شرق اوسط جديد، لأنها تسمح لهم ببناء قاعدة عسكرية (في البترون) تستطيع أميركا من خلالها خوض معركتها على الإرهاب في الشرق الأوسط ضمن محيط مسالم عقائدياً لها. ويكون أساس هذا المحيط كياناً فدرالياً مسيحياً يحكمه نفوذ أميركي حليف للغرب، يمثّل جسراً بينه وبين الشرق الأوسط من دون تكلفة باهظة. بالإضافة إلى أنه في حال انسحاب القوات الأميركية المحتلة من العراق، لا بد لها أن تتواجد في المنطقة وفي مكان قريب من إسرائيل،اي في منطقة موالية لها تكون بمثابة قاعدة ثقافية وآمنة. إلا أن هذا المشروع أصيب ثلاث مرات في صميمه.
الضربة الأولى جاءت بعد انسحاب القوات السورية من لبنان حيث اعتقدت إدارة بوش أن هذا الانسحاب سيضعف حلفاءها خصوصاً حزب الله، أو على الأقل سيجبره على الانطواء على ذاته بسبب وجود فئة من اللبنانيين مشحونة عاطفياً ومدعومة «دولياً». وقد علقت إدارة بوش آمالها على ثورة الأرز وكانت تريد أن تصيب هذه الثورة البلاد العربية الأخرى إلا أن تظاهرة 8 آذار خلطت كل الأوراق. فكانت صدمة للأميركيين وحتى الفرنسيين، الذين لم يقرأوا جيداً مكنونات الواقع السياسي اللبناني. أما الضربة الثانية التي أربكت الادارة الاميركية وحلفاءها في لبنان، فكانت وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر التي قطعت الطريق على أي مشروع فدرالي مسيحي كبير، ذلك أن مشروع الجنرال عون هو مشروع لبنان الواحد. فالجنرال عون تخرج من المؤسسة العسكرية أي أنه تعايش مع مختلف الطوائف، عكس سمير جعجع الذي نشأ في جو ميليشيا مسيحية ومارونية متطرفة بالإضافة إلى علاقات قوية مع الإسرائبليين.
وجاءت الضربة الثالثة في حرب تموز بصمود المقاومة الإسلامية أكثر من ثلاثة ثلاثين يوماً في وجه أقوى جيش في الشرق الأوسط من حيث التدريب والأسلحة والتقنيات اللوجستية، وهو ما منع تحقيق أي هدف من أهداف إدارة بوش، سواء على الصعيد الميداني أو على الصعيد السياسي.
واليوم إذا بضربة رابعة لهذا المشروع وهي انتفاضة المعارضة التي وضعت المخطط الأميركي أمام حائط مسدود. وهنا يجدر الالتفات إلى الحملة النفسية والإعلامية التي شُنّت قبل موعد ساعة الصفر من نزول المعارضة إلى الشارع محذّرةً من احتمال قيام الحرب الأهلية والتي تتناسب مع الجهود المبذولة في الولايات المتحدة وغيرها لترويج فكرة شبح حرب أهلية والإيحاء أنها ستحصل حتماً لإيجاد شعور قوي بعدم الاستقرار والقلق. الأمر الذي يدفع الفريق الآخر إلى المطالبة بحل فدرالي كحل جذري ونهائي للحفاظ على السلم الأهلي. وليس غريباً أن نشاهد بعض الاستفزازات التي قد تؤدي إلى ضحايا لإقناع الرأي العام بضرورة إقامة فدراليات في لبنان. ونقول إنه غير ممكن لا بل مستحيل عملياً على الذين يلوّحون بشبح الحرب الأهلية أن يشعلوها لأسباب عديدة منطقية. أولاً إنّ الذين يملكون القدرات والإمكانات لخوض حرب أهلية أي «الجنرال ميشال عون والسيد حسن نصر الله» يرفضون جملة وتفصيلاً فكرة الحرب الأهلية. ذلك أن السلم الأهلي هو خط أحمر. وأما بالنسبة للذين يهوّلون بالفتنة ويحاولون إشعالها فلا يملكون الإمكانات لافتعال حرب أهلية وخوضها. ذلك أن الفريق المقابل الذي يسعون إلى التصادم معه، يأبى ذلك ويحارب أي ابتزاز بالوسائل الشرعية.
ثانياً، إذا درسنا المواقع الجغرافية وقدرات الفريق الذي يهدّد بالحرب لوجدنا أنه غير قادر على تكوين قوة متكاملة. فالسنّة متمركزون أساساً في الشمال وموزعون في باقي المناطق اللبنانية. والدروز الموالون لوليد جنبلاط المتمركزون في الشوف، محاصرون من شيعة البقاع والجنوب والضاحية. وأما بالنسبة للمسيحيين، فلا يستطيع سمير جعجع أن يقوم بحرب أهلية لأن الجنرال عون وسليمان فرنجية يشاركانه في النفوذ. وهنا يجدر السؤال عن المستفيد في لبنان من المشروع الفدرالي، فلا بد من وجود مؤيد له، يوفّر الأرضية والجو المناسبين لأميركا في تحقيق مشروعها. إن المستفيد الأول هو وليد جنبلاط الذي يتمتع بنفوذ في الدولة أكثر من بقية الأطراف حالياً، ولديه ارتباطات مع الأردن وأميركا حليفته. ولا يخفى على أحد أنّ تأسيس إمارة درزية، تخضع لسلطته تعود بذوره في الرؤية الجيوسياسية إلى أن لبنان الصغير المكون من الدروز والمسيحيين.
والمستفيد الثاني هو سمير جعجع الذي لا يملك إلا هذه الورقة رصيداً على الساحة اللبنانية من خلال فدرالية مسيحية تمكّنه من تزعّم المسيحيين بإزاحة الجنرال عون وبناء نظام موالٍ للغرب. والشيعة لا يؤمنون بفدرالية شيعية لأنها تمثّل انكشافاً أمام العدو الإسرائيلي وستكون محاصرة بفدراليات موالية وحليفة للغرب. وهم يعون تماماً أن المخطط الأميركي في إنشاء فدراليات مفاده تفتيت القوة القومية العربية الإسلامية، وتغيير أيديولوجية الفكر العربي. أما السنّة فهم أكثر خسارة في مشروع الفدراليات، ذلك أن نفوذهم سيتشتت، وسينحصرون في الشمال ولن يكون لديهم مخرج إلا البحر في أجواء معادية لسوريا (إلا إذا انقلب النظام في سوريا).
وهنا نسأل بكل موضوعية عن الإمضاء على بياض، بدون دراسة بنود مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي.. هل هو تمهيد لهذا الانقلاب، بحيث يتم إضعاف النظام السوري في الداخل من خلال حصاره وممارسة الضغوط النفسية على قادته فينهار النظام تحت وطأة الضغط.
* باحثة لبنانية