ماجد عزام *
شهد شهر شباط الماضي تصعيداً إسرائيلياً لافتاً ضد الشعب الفلسطيني، إذ شمل تصعيداً ميدانياً واجتياحات شبه يومية في مدن نابلس وجنين، وتصعيداً سياسياً ضد السلطة الفلسطينية وقطاع غزة بحجة تسارع وتيرة التسلح وتهريب وسائل قتالية بكميات كبيرة غير مسبوقة من فصائل المقاومة في القطاع. ولم يكن صدفة أن تتسارع وتعلو وتيرة التصعيد الإسرائيلي بعد توقيع اتفاق مكة في الثامن من شباط الماضي وأن تزداد باطراد مع تقدم المساعي الهادفة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية التي يفترض أن تبصر النور في النصف من آذار/مارس. بشكل عام وشامل يمكن إدراج التصعيد الإسرائيلي ضمن سياقين رئيسين: الأول مرتبط بالتطورات الإسرائيلية الداخلية والثاني مرتبط حتماً بالموقف الإسرائيلي من التطورات الفلسطينية الداخلية الأخيرة، وتحديداً اتفاق مكة الذي يفترض أنه يمهد الطريق أمام شراكة سياسية حقيقية وجدية تمثل حكومة الوحدة الوطنية مجرد البداية ونقطة الانطلاق فيها.
في السياق الإسرائيلي الداخلي نحن أمام انهيار متعدد المستويات والأبعاد، فخلال فترة وجيزة استقال قادة أكبر مؤسستين أمنيتين، وهما الجيش والشرطة تحت وطأة إخفاقات وفضائح وعجز عن تحقيق الأمن والأمان سواء بشقه الخارجي أو الداخلي، وليس ذلك فقط، بل إن وزير الداخلية أفي ديختر لم يجد شخصاً ملائماً لقيادة الشرطة بعد اعتذار خمسة من الجنرالات عن تولي هذا المنصب في الظروف الإشكالية الحالية، ولم يجد بداً من ترشيح جنرال شرطة من الدرجة الثانية يمتلئ سجل خدمته بالثغرات والسلبيات، ما يراكم العراقيل أمام تمديد تعيينه سواء في لجنة التعيينات المركزية أو في الحكومة أو حتى في محكمة العدل العليا. ويضاف إلى ذلك الكم الكبير من النصائح والتحقيقات التي تطال رئيس الدولة ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء والمسؤولين الكبار في أجهزة الدولة، لدرجة أن ثمة نقاشاً جدياً يدور الآن حول إذا ما كانت مافيا الفساد والإجرام سيطرت وهيمنت على مفاصل ومراكز سلطة القرار في الدولة العبرية التي قد تكون قد تحولت إلى صقليا، حيث لا سلطة سوى سلطة المافيا ولا شريعة سوى شريعة الغاب حسب تعبير أحد المحللين الإسرائيليين. «إسرائيل لا تمتلك سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط». هكذا قال ذات مرة وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر، ومن خلال هذه المقولة يمكن بالتأكيد فهم واستيعاب القاعدة الأساسية التي تحكمت بالتصرفات الإسرائيلية خلال الستين سنة الماضية تقريباً كلما زادت المشاكل والأزمات الداخلية يتم اللجوء إلى التصعيد على الجبهات العربية المفتوحة والمتيسرة. حصل هذا مع لبنان وسوريا ومصر في الماضي، ويحدث الآن مع قطاع غزة وجنين ونابلس ورام الله.
الأمر الآخر الذي يمكن من خلاله فهم التصعيد الإسرائيلي يتمثل في الموقف أو النظرة إلى التطورات الفلسطينية وتحديداً إلى اتفاق مكة والمساعي الحثيثة المبذولة لتشكيل حكومة وحدة وطنية كخطوة أولى نحو تكريس وتحقيق الشراكة السياسية الفلسطينية عبر مؤسسات حية وحيوية شرعية ومنتخبة وديموقراطية. فمنذ توقيع الاتفاق تجتهد إسرائيل لمراكمة الصعوبات والعراقيل أمام تنفيذه وتكريسه على أرض الواقع السياسي والحزبي الفلسطيني، حيث بدأ التصعيد السياسي والإعلامي ضد حماس بحجة أنها تستغل وقف إطلاق النار للتسلح والتزود بالمزيد من الوسائل القتالية المتطورة، أي إن إسرائيل تحاول منذ الآن إفراغ اتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية من محتواها على اعتبار أن ثمة طرفاً أساسياً، أي حماس، يخادع ويستغل الاتفاق والحكومة كستار لمزيد من التسلح والاستعداد لاستئناف القتل ضد إسرائيل.
* مدير مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام.