خورشيد دلي *
يأتي انعقاد مؤتمر بغداد لدول الجوار العراقي والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في العاشر من هذا الشهر بمثابة اعتراف ضمني أميركي بفشل الجهود والخطط التي وضعتها إدارة الرئيس بوش لإعادة الأمن إلى العراق، وفي الوقت نفسه بمثابة العودة إلى توصيات تقرير لجنة بيكر ــــــ هاملتون وتحديداً إلى التوصية رقم 75 التي دعت الإدارة الأميركية إلى محاورة كل من سوريا وإيران وإشراكهما في البحث عن حل للأزمة العراقية.
فور إعلان الولايات المتحدة مشاركتها في المؤتمر، سارع العديد من المسؤولين الأميركيين إلى القول إن مشاركة واشنطن إلى جانب دمشق وطهران في المؤتمر لا تعني إجراء محادثات ثنائية أو مباشرة مع العاصمتين، وهو الأمر الذي أثار أكثر من علامة استفهام حول الهدف الأميركي من المشاركة في مؤتمر كان مقرراً في الأصل لدول الجوار العراقي قبل أن يتحول إلى مؤتمر دولي، كما أنها (التصريحات الأمريكية) خففت من التفاؤل الذي ساد في المنطقة لوقت قصير إزاء المأمول من هذا المؤتمر، إلا أنه على الرغم من هذه الأجواء التي لا تبشر بالكثير، فإنه ينبغي عدم التقليل من أهمية هذا المؤتمر وما يمكن أن يشكله من محطة حقيقية للبحث عن حل سلمي للأزمة العراقية، ولعل مجرد انعقاد المؤتمر بهذا الشكل له أهمية كبيرة لسببين أساسيين وهما:
1ــــــ إن وجود سوريا وإيران والولايات المتحدة إلى جانب الدول الأخرى في مؤتمر واحد بشأن العراق هو شكل من أشكال العودة إلى توصيات تقرير لجنة بيكر ــــــ هاملتون حتى لو حاول بعض مسؤولي البيت الأبيض قول غير ذلك، كما أن الحديث عن أنه لن تكون هناك محادثات ثنائية أميركية ــــــ سورية أو أميركية ــــــ إيرانية لا يقلل من الاعتراف الأميركي الضمني بأهمية دور سوريا وإيران في المساهمة في استقرار العراق والبحث عن حل سياسي للأزمة العراقية من خلال القيام بدور إيجابي في دفع مختلف القوى العراقية إلى حل سياسي تتفق عليه هذه القوى المتباينة في أولوياتها ومرجعياتها ومشاربها الفكرية .
2ــــــ إن المؤتمر ينعقد في ظل وصول السياسة الأميركية في العراق إلى نقطة مسدودة، فلا الخطط الأمنية الكثيرة جلبت الأمن والاستقرار، ولا مشاريع المصالحة الوطنية حققت أهدافها، فيما الثابت في كل أيام العراق وبغداد بشكل خاص هو استمرار مسلسل القتل والدم والجثث وتفاقم المشكلات الطائفية والسياسية وانهيار مقومات العيش في بلد كان يعد من أغنى بلدان المنطقة، ولعل من شأن وصول الأمور إلى هذه النقطة يعني أننا أمام مسألتين أو مسارين في السياسة الأميركية في العراق: الأول: أن الإدارة الأميركية ومن خلال مشاركتها في مؤتمر بغداد إلى جانب سوريا وإيران وباقي دول الجوار العراقي باتت تستدرك فداحة أخطاء سياستها والمخاطر التي تهدد هذه السياسة وبالتالي أهمية البحث عن مخرج سياسي لأزمتها في العراق بعد أن وصل النهج الأمني إلى طريق مسدود، لعل هذا الاستدراك يطرح السؤال التالي: هل فعلا ستلجأ إدارة بوش إلى إحداث تغييرات في سياستها؟ بمعنى آخر هل يمكن أن تلجأ هذه الإدارة إلى اتباع أسلوب الحوار الذي جرى مع كوريا الشمالية في قضية ملفها النووي؟ لقد تخلت إدارة بوش عن سياسة التصعيد الأمني مع بيونغ يانغ ولجأت إلى الدول المعنية بالملف النووي الكوري الشمالي، فلم تكن النتيجة الاتفاق بشأن الملف النووي الكوري فحسب، بل والسعي إلى إعادة تطبيع العلاقات بين الجانبين، مع أنه يصعب سحب حالة الملف الكوري الشمالي على الوضع العراقي، إلا أن مؤتمر بغداد قد يكشف عن هذا الجانب في المثل العراقي إذا ما كانت إدارة بوش قد قررت العودة إلى تقرير لجنة بيكرــــــ هاملتون وأدركت أهمية الحل السياسي للأزمة العراقية بمشاركة دول الجوار التي اكتوت أيضاً بنار الأزمة العراقية. الثاني: إذا لم تكن الأمور في سياق ما ذكرنا أعلاه فإننا سنصبح أمام مرحلة شديدة الخطورة، يمكن أن نتذكر فيها كثيراً قول وزير الخارجية السوري وليد المعلم عندما قال: «سندرك أن فشله (المؤتمر) قد يكون أسوأ من عدم انعقاده ما لم تقتنع واشنطن بــــــــوجود جانب آخر من الحل لا تريد أن تقتنع به».
نعم خطورة هذه المسألة أن تكون مشاركة إدارة بوش في المؤتمر من باب القول للمنتقدين لها في الداخل الأميركي إنها طبقت توصيات لجنة بيكر ــــــ هاملتون مع دول الجوار العراقي، إلا أن هذه الدول لم تستجب لهذه التوصيات بعد أن تكون إدارة بوش قد فرشت شروطها على طاولة بغداد، وكانت هذه الشروط غير متناسبة مع مخاوف دول الجوار وتطلعاتها إلى عراق مستقر، مستقل، مسالم مع جيرانه، بما يعني كل ذلك استغلال أمريكي لمؤتمر بغداد بعد إفشاله بغية التصعيد ضد سوريا وإيران، ولاسيما إيران على خلفية تصاعد الجدل بسبب ملفها النووي وسط الحديث عن سيناريوهات عسكرية ضدها مع توافد حاملات الطائرات الأمريكية إلى منطقة الخليج والتصعيد الجاري ضدها في مجلس الأمن لاتخاذ قرار جديد يشدد العقوبات عليها. بانتظار مؤتمر بغداد ونتائجه، فإن المؤتمر هو الأول الذي يجمع بين الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية للأزمة العراقية، وهو ما يعني أن المؤتمر يمكن أن يكون انطلاقة حقيقية لمعالجة هذه الأزمة إذا كانت إدارة بوش قد قررت العودة إلى الأخذ بتوصيات لجنة بيكر ــــــ هاملتون واقتنعت بأهمية دور دول الجوار العراقي في حل الأزمة العراقية انطلاقاً من تداخل عوامل الجغرافيا والتاريخ والأمن والمجتمع، وإلا فإن المؤتمر قد يدخل الأمور في مرحلة أشد خطورة، وخاصة إذا كانت حسابات إدارة بوش تقوم على التصعيد الأمني على وقع الملف النووي الإيراني حتى النهاية.
* كاتب سوري