العولمة الإعلامية الأميركية
  • محمد سلمان ــ صحافي لبناني

    لتقنيات الإعلام الأميركي وقنواته ووسائله وأساليبه مناهج في دراسات وأبحاث ومقالات ومقابلات تهدف الى احتواء وغسل الأدمغة والثقافات المناهضة للإيديولوجية الأميركية في السياسة والاقتصاد والدبلوماسية، لتجريد هذه الأدمغة وتلك الثقافات من خصائصها الوطنية ومكوناتها التراثية ومعاييرها القومية، وإلحاقها بالفلسفة الذرائعية و«الميكافيلية»، وصولاً الى «تأييل» الإنسان في التفكير والتخيّل أي ربطه بآلة السياسة الأميركية في زمن الحرب والسلم وفك التزامه قضايا بلاده، وما الى ذلك من أنواع الغزو السياسي والإعلامي والثقافي لشعوب ودول العالم الثالث ومنه العالم العربي الذي يشكل اليوم المدعى الحيوي والمدار الاستراتيجي لهذا الغزو المرسوم في خريطة الطريق الأميركية للشرق الأوسط الجديد، تحت عناوين ثلاثة:
    1 ــ إدخال العالم العربي في المنظومة العسكرية للحلف الأطلسي الذي يشكل المظلة الأمنية والجدار العسكري لإسرائيل.
    2 ــ تحويل المواجهة العربية ــ الاسرائيلية الى مواجهات عربية ــ عربية باستحداث خطوط «تماس» لحرب حدود بين دولة عربية وأخرى، وشوارع حرب أهلية داخل هذا القطر العربي أو ذاك.
    3 ــ وضع اليد على الثروات العربية النفطية وغيرها، وتحويل الأسواق العربية الى أسواق استهلاك للصناعات والسلع الغذائية الأميركية والاسرائيلية على حد سواء.
    التمهيد لهذه المشاريع تتولاه إعلامياً وتمويلاً الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» منذ تأسيسها عام 1948، وهذا ما تحدث عنه كتاب «الحرب الثقافية الباردة» للكاتبة البريطانية «فرانسيس سوندرز» وفيه أن «السي آي إيه» عملت على تأسيس «اللجنة القومية لأوروبا الحّرة» و«الاتحاد الدولي للحرية الثقافية» الذي فتح مكاتب له في 35 دولة، وتولى تمويل 20 مجلة ثقافية. واخترقت «السي آي إيه» مؤسسة «نادي القلم الدولي» التي تعتبر من أهم المؤسسات التي تتولى «الدفاع» عن الكتّاب في العالم. وكشفت بعض وسائل الإعلام تقريراً أعدّته عام 1974 إحدى لجان الكونغرس الاميركي، يتحدث عن أنشطة الاستخبارات الأميركية. وقد تناول في جانب منه الدور الذي أدّته في مجال إنشاء الصحف ودور النشر في أوروبا والعالم الثالث، واستهدفت بالدرجة الأولى «غسل دماغ» الشعوب.
    وتؤدي الفضائيات الأميركية الدور الهدّام في هذا السياق، حيث تسيطر هذه الفضائيات على أربع جهات الكرة الأرضية استناداً الى الثورة العلمية في الاتصالات والمعلومات التي جعلت العالم «قرية كونية» لا حدود ولا سدود ولا موانع أمام الخبر والصورة والتلقّي، إذ تحتكر الولايات المتحدة تكنولوجيا الاتصالات الدولية للسيطرة على السوق العالمية للإعلام.
    وفي هذا الشأن، يقول «دانييل بروتون» أحد البارزين في قطاعات الاتصالات: «إن الولايات المتحدة، بوصفها رائدة في اقتصاد الشبكات (الإنترنت)، سوف ترسم تطور هذا الاقتصاد، ذلك انه ليس هناك دولة في العالم سواها تملك المؤهلات اللازمة لتوجّه التطورات».
    وتقول الدكتورة «جيهان رشتي» العميدة السابقة لكلية الإعلام في جامعة القاهرة: «أميركا تهيمن على وسائل الإعلام وأجهزته المتعددة في العالم كله، فهي تكاد تشمل معظم البلدان، وأميركا هي أكبر مصدّر للبرامج الترفيهية والسينمائية والتلفزيونية. وتستمد هذه الهيمنة من تجاربها للسلاح. فكما هو معروف، تُعدّ أميركا أكبر مصدر للسلاح في العالم».
    إضافة إلى ما سبق، تسيطر أميركا على وكالات الأنباء التلفزيونية في العالم، فضلاً عن وكالات الأنباء الإخبارية، إذ تعدّ رويترز وأسوشيتدبرس أكبر وكالتين. ومن خلال مضمون هذه الوسائل تقوم أميركا بتصدير الرأسمالية والمفاهيم إلى دول العالم وتجعلها أسواقاً مفتوحة لها.
    وهذا ما يلتقي مع نظرية مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق بريجنسكي في أن العولمة العسكرية والاقتصادية الأميركية تعتمد على عملقة العولمة الإعلامية للولايات المتحدة من خلال الإعلان والدعاية والترويج «للديموقراطية» الأميركية و«فضائلها» السياسية، وفي أن احتواء الرأي العام في الخارج والهيمنة على كل مكوناته هما قوّة الدفع الدبلوماسي للقوة العسكرية الأميركية من أجل السيطرة على أقدار الشعوب والدول ومقدراتهما، تطبيقاً لنظرية الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون: أميركا هي العالم، والعالم هو لأميركا.