وليد شرارة
ردود الفعل المستنكرة الواسعة النطاق على المستويين الرسمي والشعبي في انحاء العالمين العربي والاسلامي التي أثارتها عملية اعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بما فيها تلك الصادرة عن أنظمة وحركات شعبية وقطاعات من الرأي العام طالما ناصبت نظام صدام حسين العداء، تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن غالبية العرب والمسلمين تعتبر عملية الاعدام وتوقيتها، في يوم عيد الاضحى المبارك، رسالة تحدّ مذهبية مهينة موجهة اليها بأمر من الاحتلال الأميركي. هذه الغالبية مدركة، بعكس ما تعتقده بعض النخب التي ما زالت تحلم بأداء دور الطليعة التي ستقود الشعوب الى بر الأمان، للطبيعة الديكتاتورية لنظام صدام حسين ولهول الجرائم التي ارتكبها وللنتائج الكارثية للكثير من السياسات التي اعتمدها. لكنها، اي الغالبية، تعلم أن الاسباب التي دفعت الاحتلال الاميركي وحكومة الدمى الطائفية «العراقية» الى اعدام الرئيس السابق مختلفة تماماً عن تلك المذكورة سالفاً. الحجة المعلنة التي سوغت قرار الاعدام بحق هذا الاخير هي مسؤوليته عن مقتل مئة وثمانية وأربعين مواطناً عراقياً من قرية الدجيل، هل يعقل ان يتخذ المسؤولون عن مقتل اكثر من سبعمئة وخمسين ألف عراقي، اي الاحتلال وحكومة الدمى، خلال أقل من اربع سنوات مثل هذا القرار؟ مجرد محاولة مناقشة هذا الأمر هو اهانة لذكاء الناس والرأي العام. احتلال غاشم هدف للسطو على ثروات العراق ولتدمير الدولة العراقية ولمأسسة التقسيم المذهبي والإثني وحكومة ميليشيات قتلٍ على الهوية وتطهير مذهبي أعدما الرئيس السابق لظنهما أن ذلك سيسمح لهما بتحقيق غايتهما المشتركة: تسعير الحرب الأهلية المذهبية وصولاً الى تقسيم هذا البلد. لقد يئس الاحتلال الاميركي، والحكومة التابعة، من امكان السيطرة على كامل الأراضي العراقية بفضل المقاومة الباسلة والمتصاعدة، فلجآ الى خيار التقسيم. الاهداف المتوسطة والبعيدة المدى عند الطرفين، أي الاحتلال وحكومة الدمى، مختلفة. فاذا كانت حكومة المالكي ومكوناتها متعطشة لاحتكار السلطة والثروة ومستعدة في سبيل ذلك لضرب عرض الحائط بجميع الثوابت الوطنية والدينية والاخلاقية، فإن حسابات الادارات البوشية، وخاصة جناحها الأكثر تطرفاً الذي ما زال يدير دفة الأمور، أكثر تعقيداً. وإذا كان اعدام الرئيس العراقي السابق محاولة للتخفيف من وقع الفشل الاميركي في العراق على الأوضاع داخل الولايات المتحدة، فإن الاستهدافات الاخرى لهذه العملية تندرج ضمن الاستراتيجية الاميركية الكبرى في منطقة الشرق الاوسط. فتصاعد الحرب الاهلية المذهبية الذي سينجم عنها، ومفاعيل هذه الحرب على المشهد الاقليمي، التي ستؤدي الى تزايد الاستقطاب المذهبي السني ــ الشيعي، جميعها اهداف تنسجم مع الأولويات الاميركية. أبرز هذه الاولويات اليوم عزل ايران تمهيداً لتكثيف الضغوط عليها من أجل دفعها للتخلي عن برنامجها النووي أو، أسوأ الأحوال، تدمير منشآتها النووية مع الحد من قدرتها على الرد.
السبيل الأمثل لعزل ايران هو تعميق الشرخ المذهبي. ولا شك في أن ما يتوارد من معلومات عن دعم ايراني مباشر لبعض الميليشيات الطائفية في العراق، يساهم في تعميق هذا الشرخ ويزيد من عزلة ايران. الأمر نفسه ينطبق على الترحيب الايراني بإعدام صدام حسين الذي لقي استهجاناً كبيراً في الشارع العربي والذي سيستغل من الأنظمة والاطراف التي تعمل من اجل وأد أية امكاني للتحالف أو لمجرد التنسيق بين العرب والإيرانيين.
مهما يكن، من الواضح أن إعدام صدّام لن يكون مجرّد حدث في حياة العراق والمنطقة، بل ستكون له تداعيات كبيرة، وسيكون مفصلاً جديداً لإعادة خلط الأوراق داخل العراق وربما خارجه أيضاً.