حسين عطوي *
يؤدي احتدام الصراع السياسي في لبنان الى اثارة المخاوف من اندلاع حرب اهلية جديدة، ويعزز هذا الخوف انسداد الآفاق أمام تسوية سياسية تؤدي الى تنفيس الاحتقان، بسبب التباعد الكبير في مواقف الاطراف المختلفة، التي تتوزع بين فريقين: فريق يشهر تحالفه مع الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا تحت عنوان الصداقة، ويعلن عن عدائه السافر لسوريا، ويقف صامتاً إزاء الانتهاكات الاسرائيلية، فيما كان دوره محاطاً بالشبهات وعلامات الاستفهام الكبيرة خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز وآب الماضيين.
وفريق آخر يجاهر برفضه للوصاية الاميركية ــ الفرنسية وتأكيد تمسكه بالمقاومة سبيلاً لمواجهة الاحتلال وردع العدوانية الاسرائيلية، وإعلانه عن عدم خجله بالعلاقة مع سوريا، ودعوته إلى أن تكون العلاقات السورية ــ اللبنانية علاقات مميزة في كل المجالات بما يحقق مصلحة البلدين والشعبين.
ومثل هذا الصراع يغذّيه التدخل الاميركي ــ الفرنسي في شؤون لبنان بالاستناد الى فريق الاكثرية النيابية والحكومية.
غير أنه على الرغم من كل هذا التباعد والخلاف فإن المعطيات وموازين قوى تشير الى ان لبنان بعيد عن الوقوع في شرك الحرب الاهلية، وأن الامور لن تتعدى التراشق بالتصريحات، حتى وإن حصلت بعض التوترات الامنية هنا او هناك، وبعض اعمال الاغتيال التي يريد من خلالها، الموساد الاسرائيلي والاستخبارات الاميركية الاصطياد بالماء العكر، كما جرى في عمليات الاغتيال التي حصلت بدءاً باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
السؤال الذي يطرح هو، لماذا هناك خوف من وقوع حرب اهلية وما هي العوامل التي تحول دون حصول هذه الحرب؟
على صعيد خطر الحرب الاهلية ينطلق التخوف من اندفاع الامور باتجاهها من الآتي:
اولاً: حالة التشنج والتعبئة المتواصلة من جانب فريق 14 شباط وخاصة القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، والتي تمثلت بالخطابات والتصريحات السياسية المتوترة والنارية والتي تذكر بأجواء الحرب الاهلية وتحاول نكئ الجراح.
ثانياً: رفض فريق 14 شباط للتسوية السياسية وإصراره على الاستمرار في سياسة الاستئثار واحتكار السلطة السياسية رغم تبدل موازين القوى في الشارع في غير مصلحته، ووجود قوى تمثيلية عريضة خارج الحكومة بما يتعارض واتفاق الطائف.
ثالثاً: استقواء فريق 14 شباط بالتدخل الاجنبي ومحاولة تشجيع القوات الدولية على التدخل العسكري في شؤون لبنان واعطائها مهمات من خارج القرار 1701 من اجل المحافظة على امتيازاتها والحيلولة دون حصول التغيير. لكن في مقابل المؤشرات التي تصب في مصلحة وقوع حرب اهلية هناك عوامل تجعل من المستبعد حصول هذه الحرب.
العامل الاول: وجود قوتين اساسيتين تملكان شعبية كبيرة متحالفتين وترفضان الحرب الاهلية هما حزب الله والتيار الوطني الحر، ويستندان الى تحالفات سياسية وطنية، الأمر الذي يجعل ميزان القوى يميل لمصلحتهما في منع حصول حرب اهلية.
العامل الثاني: ان القوى التي تسعى الى تفجير الحرب الاهلية وتغذية الانقسامات الطائية والمذهبية هي اقلية في طوائفها وعلى مستوى لبنان، فالقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع تمثل اقلية في الوسط المسيحي، فيما الحزب التقدمي برئاسة النائب جنبلاط اقلية على مستوى لبنان ويواجه انقساماً في الوسط الدرزي حول المرجعية والموقف السياسي اضعف من شعبيته، اما تيار الحريري فإنه يستند في قوته الى دعم شريحة التجار والبرجوازية التقليدية في المدن، ومعروف ان هذه الشرائح لا تقاتل وهذا ما يجعل الحرب مغامرة بالنسبة له غير محمودة العواقب لأن ميزان القوى لا يميل لمصلحة فريق 14 شباط.
العامل الثالث: ان الجيش اللبناني، القوة العسكرية الاساسية للنظام، يرفض الانجرار الى اي حرب اهلية لأنها ليست في مصلحته وهو دفع ثمناً غالياً في الحرب السابقة.
العامل الرابع: ان الفرز القائم حالياً في البلاد يقوم على اساس وطني وغير طائفي، حيث الاصطفافات السياسية المتقابلة تضم اطرافاً وقوى من كل الاتجاهات والطوائف، وهو ما يعني ان دفع البلاد الى حرب طائفية مذهبية غير ممكن.
* كاتب وصحافي