كمال مساعد *
شكّل المؤتمر الخامس للسياسة الأوروبية للدفاع والأمن في برلين مناسبة، يبحث خلالها الساسة والخبراء الأمنيون سبل تعزيز التعاون العسكري لدول الاتحاد الأوروبي في مجالات الدفاع والأمن والعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي (NATO)، والاستراتيجية الجديدة للقرن الحادي والعشرين، والمواكبة العسكرية لتطوير منظومات الأسلحة الأميركية، بالإضافة الى قضايا مرتبطة بمساهمة قوات أوروبية في مهمات لحفظ السلام في العالم. إلا أن المؤتمر شدد على تقليص الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وتوثيق التعاون ضمن الأطلسي وذلك لمواجهة الإرهاب المتصاعد الذي شمل بضرباته مدناً عديدة في الغرب، وكذلك لمواجهة خطر النزاعات المتزايدة في أماكن مختلفة من العالم. وتلك هي القضايا الرئيسية التي ناقشها المؤتمر:
ــ السياسة الدفاعية لأوروبا وحلف شمال الأطلسي.
ــ التعاون العسكري بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ــ المشاركة البرلمانية في إدارة السياسات الأمنية والدفاعية.
ــ تطوير القدرات الوطنية للدول الأوروبية للمشاركة في مهمات لحفظ السلام.
ــ مستقبل الصناعات العسكرية الأوروبية.
ــ المعايير الأوروبية للاستخدامات العسكرية للفضاء.
ــ إطلاق القمر الاصطناعي الألماني.
وفي السياق عينه، كشف رالف كليدكه Ralf Klaedeke، نائب رئيس الهيئة الألمانية للدفاع والأمن (EADS, Astrium) أن أول قمرين اصطناعيين ألمانيين سوف يتم إطلاقهما في كانون الأول 2006، وسيخصص أحدهما لأهداف محض عسكرية، بينما سيستخدم الثاني لأهداف عسكرية ومدنية وعلمية. وأكد أنه من المتوقع أن تملك ألمانيا ثمانية أقمار اصطناعية خاصة بها بحلول العام 2009. كما أن عملية معقدة لربط الأجهزة والتبادل السريع للمعلومات في مجال الفضاء سوف تبدأ بين ألمانيا وكل من فرنسا وإيطاليا، ويؤمل أن تستتبع في السنوات المقبلة بعملية ربط كامل للأقمار الاصطناعية الأوروبية، كما أن الاتحاد الأوروبي قد توصّل الى اتفاق بين أعضائه لتوجيه الأبحاث في الفضاء نحو الأهداف المدنية والعسكرية في آن معاً. وهكذا حدد المؤتمر أهم النقاط المتعلقة بالتعاون الأوروبي ــ الأميركي كما كشف عنها رئيس اللجنة الفرعية للدفاع والأمن في الاتحاد الأوروبي، كارل فون فوغاو Karl von wogau، وهي:
أولاً: إن دول الاتحاد الأوروبي تنفق سنوياً 170 بليون يورو على الدفاع، وهو ما يمثل 40% فقط من سجل الإنفاق الدفاعي الأميركي. ومع ذلك لا تتجاوز فاعلية المعدات العسكرية الأوروبية 10% من نظيراتها الأميركية.
ثانياً: يسعى الاتحاد الأوروبي الى إنشاء قوة ضاربة من حوالى 60 ألف جندي، على أن تكون هذه القوة جاهزة بحلول سنة 2010 وأن تتمتع بسرعة الحركة. حيث أكد رئيس المؤتمر، الجنرال ريناو شيرز Rainau Scherz، أن 13 فرقة ضاربة ستكون مجهّزة خلال العام 2007، وستضم كل منها 1500 جندي وستشارك ألمانيا بأربع فرق منها. وتشابه هذه القوات قوات التدخل السريع لحلف شمال الأطلسي، ولكنها ستكون بإمرة الاتحاد الأوروبي.
ثالثاً: تبنّي سياسة أوروبية ناجعة للدفاع المشترك يتطلب برأي بعض المشاركين إقرار دستور أوروبي موحّد يتضمن قواعد واضحة تحدد معالم سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية والأمنية. وقد انتقد المؤتمرون بنية الاتحاد غير الواضحة، التي لا يمكن أن تلائم الحاجات الأمنية والدفاعية المستقبلية للاتحاد، مع المطالبة بتخصيص ميزانية أكبر للدفاع وتأسيس جيش أوروبي قوي.
تجديد استراتيجية الأطلسي
وكان المفهوم الاستراتيجي للأطلسي قد تم بحثه بشأن الأساس الشرعي لعملياته، وخاصة ما جاء مخالفاً لمبادئ الأمم المتحدة لأن الولايات المتحدة أصرت على أن تكون الإشارات الى الأمم المتحدة غير دقيقة قدر الإمكان لتجنّب ارتهان الحلف لحق الفيتو داخل مجلس الأمن من الصين أو روسيا. وكان الحلف قد أقرّ ثاني مفهوم استراتيجي له عام 1991 بعد نهاية الحرب الباردة ثم عمل على تطويره ليتناسب مع التطورات العالمية. وفي عام 1994 أطلق الحلف تعاوناً سياسياً وعسكرياً لا مثيل له مع 25 دولة في أوروبا الشرقية والوسطى، وفتح حواراً مع المنطقة المتوسطية تشارك فيه كل من مصر وإسرائيل والأردن والمغرب وموريتانيا وتونس. وفي عام 1995 أطلق عمليته البرية الأولى لحفظ السلام وأرسل ستين ألف عسكري الى البوسنة. وفي عام 2005 وضع المفهوم الاستراتيجي الثالث للأطلسي حيث قرر أعضاء الحلف إسناد خمس مهمات رئيسية لهذه المنظمة في القرن الحادي والعشرين بدلاً من أربع كما كان الوضع سابقاً. وفي ما يلي المهمات الخمس الأساسية التي أسندت الى الحلف:
ــ العمل لصالح مناخ أمني أوروبي مستقر.
ــ أن يكون للحلفاء إطار أطلسي أساسي يستخدمونه للتشاور بشأن أي مسألة تمسّ مصالحهم الحيوية.
ــ القيام بمهمة ردع ودفاع ضد أي تهديد بالاعتداء على أي بلد من بلدان الحلف.
ــ البقاء في حالة استعداد، أمام كل حالة على حدة، للمساهمة بفعالية في تفادي النزاعات، والالتزام النشط في إدارة الأزمات، بما فيها الالتزام بعمليات رد على هذه الأزمات.
ــ تشجيع قيام علاقات شراكة وتعاون وحوار واسعة مع دول أخرى في المنطقة الأوروبية الأطلسية للوصول الى مزيد من الشفافية والثقة المتبادلة والقدرة على العمل المشترك مع الحلفاء.
وتأتي استراتيجية الناتو الجديدة التي تقوم على توسيع مفهوم الأمن للحلف، بشكل ينطوي على حقه باستباحة العالم كله تقريباً بطوله وعرضه، وحيث تقتضي مصالحه ذلك. ويمكن وصف هذه الاستراتيجية بأنها تعتمد على مبدأ ضمان الأمن والاستقرار من خلال مواجهة الأخطار التي تهدد هذه المصالح أينما كانت، بدلاً من الاستراتيجية القديمة التي قامت على حفظ السلام عن طريق الدفاع عن النفس داخل حدود الحلف. ويمكن تلخيص هذه الاستراتيجية في ثلاث نقاط:
1 ــ قيام الناتو بالدفاع عن المصالح الأميركية ــ الأوروبية في مختلف أنحاء العالم.
2 ــ استخدام الوسائل العسكرية ضد الخصم حتى في حال تعارض ذلك مع القوانين الدولية.
3 ــ ضمان التفوّق والسباق العسكري على صعيد اقتناء واستخدام الأسلحة النووية والقدرة على توجيه الضربة الأولى وهي أهم أسس الاستراتيجية الجديدة. وكان حلف الأطلسي قد أنشئ في فترة صعبة عام 1949 كإطار لتحالف سياسي وعسكري دفاعي. وكان الغرب يواجه آنذاك خطراً جسيماً من جيوش الاتحاد السوفياتي الضخمة المعززة بالقدرات العسكرية التي حُرّكت إلى حدود ألمانيا الغربية. ودعمت تلك الجيوش بترسانات نووية في ألمانيا الشرقية وأماكن أخرى. إلا أن العالم تغيّر وكذلك طبيعة مهمات الحلف وأصبح تدخل الأطلسي احتمالاً قائماً ميدانياً، في أكثر من منطقة على مساحة العالم.
* باحث استراتيجي