علوان أمين الدين *
رداً على إمكان «إصدار رئيس الجمهورية مرسوماً بإعتبار الحكومة مستقيلة»:

ورد في جريدة الأخبار العدد 105 صفحة 14مقالة للأستاذ عصام نعمة إسماعيل بعنوان «ليصدر رئيس الجمهورية مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة»، وقد وردت عدة مقاطع تستوجب التوقف عندها والرد عليها لما تحمله من إشكاليات يمكن تلخيصها بما يلي:
في المقدمة، يستند الكاتب إلى الفقرة 53/5 من الدستور التي تنص على الحق لرئيس الجمهورية في أن «يصدر المراسيم بقبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة». ولكن إصداره مرسوم استقالة الحكومة محصور في حالات محددة دون غيرها في المادة 69/1 من الدستور، هي:
أ‌. إذا استقال رئيسها.
ب‌. إذا فقدت أكثر من ثلث أعضائها.
جـ. وفاة رئيس الحكومة.
د. عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.
هـ. عند بدء ولاية مجلس النواب.
و. حجب الثقة عن الحكومة من قِبل مجلس النواب.
لذا، عند وضوح النص لا يجوز الاجتهاد أو القياس.
ــ في الاعتبارات الواقعية :
1. يعتمد الكاتب على مبدأ عدم تعاون الحكومة مع الرئيس إضافةً لكونها غير دستورية ولا تقوم بتأدية واجباتها، كما يرى أن موقع رئاسة الجمهورية هو ثابت والحكومة هي المتغيرة، إلا أن اتفاق الطائف والتعديلات الدستورية التي تلت أعطت رئيس الجمهورية الحق في حضور الجلسات وترؤسها وإدخال بعض النقاط من خارج جدول الأعمال دون إعطائه الحق في التصويت. فالسلطة الإجرائية أناطها الدستور بمجلس الوزراء مجتمعاً ــ ولو تغيَّرت الحكومة عدَّة مرات ــ وأعطى المجلس مجتمعاً صلاحيات الرئيس في حال الاستقالة أو الوفاة أو العزل وكالةً. ومن هنا يظهر أن رئيس الجمهورية لا يستطيع القيام بمهام السلطة الإجرائية على عكس ما كان موجوداً قبل الطائف، إذ كان الرئيس يختار الوزراء ويسمي رئيساً للوزراء من بينهم، وكان له الحق أيضاً في إقالة الوزراء منفرداً وهذا غير موجود حالياً بعد اتفاق الطائف.
2. يرى الكاتب أن مجلس النواب مهيمَنٌ عليه من فريق الأكثرية بما أنفقوه من رشوة ومال سياسي في الانتخابات، وبعدها عطلوا المجلس الدستوري كي لا يبت في الطعون. هذا رأيٌ سياسيٌ، أما المنطق القانوني للأمور فيقتضي ضرورة قيام أعضاء المجلس الدستوري بأعمالهم سواء انتهت مدة ولايتهم أو قدموا استقالاتهم ــ كما هو حاصل اليوم ــ إلى حين انتخاب خلف لهم. وبذلك يكون على المجلس الدستوري الحالي القيام بواجباته المحددة والنظر في الطعون المقدمة والبت فيها، حتى لو كانت هناك إرادة سياسية لتعطيل المجلس، على أعضائه ــ لكونهم قضاة بالدرجة الأولى ــ القيام بواجباتهم من دون الرضوخ للمنازعات السياسية. ومن يحاسب الحكومة ــ في النظام البرلماني خاصة، بغض النظر عما نشهده اليوم ــ هو مجلس النواب لكون هذه الأعمال تقع ضمن أعمال السيادة التي تخرج عن رقابة القضاء وتقع تحت المساءلة السياسية لا القانونية. وفي حالة العجز، يُحتَكَم إلى الشعب لكونه مصدر السلطات.
3. يعتمد الكاتب على نظرية الضرورة «الدستورية» لإعطاء مبرر لرئيس الجمهورية كي يصدر مرسوم الإقالة لكون التطورات الحاصلة في البلد تحتِّم عليه القيام بهذا العمل. تجدر الإشارة هنا إلى أن نظرية الضرورة في القانون الدستوري ليس لها وجود في النظام اللبناني. قد يكون الكاتب استند إلى نص المادة 16 من الدستور الفرنسي التي تعطي رئيس الجمهورية صلاحيات استثنائية بشرطين متلازمين: الأول، أن يكون هناك خطر داهم وجسيم يطال رئاسة الجمهورية، أو سلامة الأراضي الوطنية، أو الاستقلال. ثانياً، أن تتوقف السلطات العامة في الدولة عن عملها المنتظم. أما في لبنان فلا يوجد نص لمثل هذه الحالة ولا توجد أي سابقة لها حتى في أصعب الأوقات وطوال فترة الحرب.
ــ في الاعتبارات القانونية الدستورية :
1. يطرح الكاتب عدم شرعية الحكومة استناداً إلى الفقرة «ي» من مقدمة الدستور التي تنص على أنه «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». هذا صحيح في حال استثناء إحدى الطوائف المعترف بها في لبنان عند تشكيل الحكومة. ولكن الحالة الموجودة اليوم هي قيام الحكومة الحالية بشكل صحيح تبعتها استقالة كل الوزراء منتمين لطائفة واحدة لأسباب سياسية، وبذلك يمكن أن يقال عنها إنها حكومة تعاني عجزاً ما دامت تضم النصاب الدستوري. وهنا يقع على الحكومة واجب قبول استقالة الوزراء وتعيين بدل منهم من الطائفة نفسها. ولكن المشكلة تقع في أن الخلفية السياسية للوزراء المستقيلين هي الطاغية في تلك الطائفة، وقيام الحكومة بتعيين بدل منهم سيُمنى بالفشل. فالمشكلة هنا سياسية، لا دستورية.
2. يضيف الكاتب ثلاث حالات ــ علاوة على المادة 69 من الدستور ــ وهي:
الحالة الأولى: نص المادة 70 من الدستور التي تنص على اتهام مجلس النواب لرئيس الحكومة بالخيانة العظمى أو خرق الدستور وكف اليد. ولكن الكاتب قد تجاهل نص المادة 72 من الدستور التي تنص على أن كف اليد لا يكون إلا بعد صدور قرار صريح من المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لا عند صدور قرار الإحالة، وهنا يجب عليه الاستقالة أو يُعَد مستقيلاً بحكم الدستور والقانون.
الحالة الثانية: هي طرح الثقة برئيس مجلس الوزراء، وهنا لا توجد مشكلة لكون الحكومة تُعَدُّ هنا مستقيلة حكماً لارتباطها برئيسها، وهذه الحالة تقع ضمن المادة 69/1/و.
الحالة الثالثة: مرض أو عجز رئيس الحكومة وعدم قيامه بمهامه، يجب أن يقوم مجلس النواب بطلب حل مجلس الوزراء لامتناعه عن الإجتماع في إطار المحاسبة السياسية.
3. يذكر الكاتب أن الدستور اللبناني ــ بعد الطائف ــ لم ينـزع الصلاحيات من يد رئيس الجمهورية، وهو ما زال يحتفظ بها. ولكن الصلاحيات التي وضعت في الدستور بعد الطائف هي محددة على سبيل الحصر ولا مجال للتوسع فيها أو القياس عليها. وما يلفت النظر إعطاؤه رئيس الجمهورية الحق في صلاحية إصدار مرسوم الإقالة على أساس اعتبار هذا العمل بمثابة العرف الدستوري المكمِّل للنقص الوارد في التشريع. هذا الأمر ينطوي على كثير من الخطورة حيث تم تجاهل أمر شديد الأهمية هو أن مقام رئيس الجمهورية هو رئاسة وليس سلطة، فالرئيس يقوم بإصدار القوانين والقرارات ولا ينشئها. وكل ما أعطاه إياه الدستور هو حق الاعتراض ضمن مدَّة معينة، وبعدها لا يستطيع إيقاف التنفيذ لكون القوانين والقرارات ستصدر وإن لم يُوقع عليها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأعراف الدستورية التي نشأت في لبنان كانت نتيجة توافق عام. وبما أن لبنان يعتمد النظام البرلماني صراحة، فإنه لا يحق لرئيس الجمهورية القيام بمثل هذه الخطوة وإلا عُدَّ منتهكاً لأحكام الدستور. في الخلاصة، المقال المذكور آنفاً هو أقرب إلى الرأي السياسي منه إلى التوصيف القانوني لكونه لا يتطابق مع الواقع أو النصوص التي اعتُمد عليها، وبالتالي النتيجة واضحة، إذ إن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة لا تخوله الحق في إقالة الحكومة.
1ــ مقام رئيس الجمهورية رئاسة لا سلطة والرئيس يصدر القوانين ولا ينشئها
2ــ صلاحيات رئيس الجمهورية محصورة، ولا يجوز القياس عليها
* خبير قانوني ودستوري