مازن ابراهيم *
غطرسة وغباء، مفردات لطالما استخدمتها الدبلوماسية الأميركية في وصف أفعال دول تراها واشنطن مارقة. هكذا وصفت التجربة النووية لكوريا الشمالية كما موقف إيران من ملفها النووي وطبعاً المغامرات الشافيزية في أميركا اللاتينية.
أسلوب كلاميّ اعتدنا عليه، لكن أن يصف مسؤول في الخارجية الأميركية أفعال دولته في العراق بمثل هذه الأوصاف فلذلك كلام آخر.
كلام سحب سريعاً، ليقال من بعدها تأويلكم جانب الصواب.
لكن ما نطق به علانية، وباللغة العربية، مستشار الخارجية الأميركية ألبرتو فرنانديز يكشف على أقل تقدير عن تشوش في المصطلحات يخفي تشتتاً في منطق مسؤولي تسويق السياسة الأميركية في المنطقة. أما العنوان الرئيس لما ستراه رايس ســــــــفسطة فرنانديزية أسيء فهمها فيكمن في المستنقع العراقي.
قول لا يعطي صاحبه ثواباً كبيراً، ففرنانديز ليس المتمرد على إدارته ولا ذاك الطليعي في موقفه من قضايا المنطقة، بل هو الناطق الأمين بلسان سيدته وزيرة الخارجية ومن ورائها سيد البيت الأبيض، لكن على الرغم من كل ذلك فإن لكلامه معنى عراقياً.
فللعراق قصة أمــــــــــــيركية، وما كتب من فصولها حتى الآن لا يـــــــــــــــسرّ جــــــــــــليــــــــــــس الــــــــــــبــــــــــيت الأبـــــــــــــيض، فالثالوث الموعود من حرية وأمن ورفاه اقتصادي ذهب منذ سقوط بغداد قبل سنوات ثلاث أدراج الرياح... رياح قد تقلب موازين القوى في الكونغرس بعد الانتخابات النصفية الشهر المقبل.
عراق أصبح الناخب الأول في هذه الانتخابات، ومقياس نجاح أو فشل بوش وإدارته خاضع لبارومتر الوضع العراقي، وبلد يشهد حرباً أهلية وفرزاً قومياً ومناطقياً، ناهيك عن الموت اليومي الذي بات يلاحق جنود المارينز لن يرضي الناخب الأميركي.
كل ذلك استوجب وقفة أريد منها إيهام هذا الناخب أن الأمور تحت السيطرة، وحملة تدجين العالم تسير كما هو مرسوم لها، والعراقيل التي تواجه المشروع الأميركي للعراق تفرض بعض التعديلات التي لا تلامس الجوهر، فكانت قمة العسكر بين جورج بوش وأركان حربه التي تمخض عنها تغيير وصفه بوش بالتكتيكي.
تغيير تكتيكي بالوصف، استراتيجي بالمضمون، عنوانه الفعلي ما كشفت عنه النيويورك تايمز من أن الإدارة الأميركية تعدّ خطة تضع معالم طريق للحكومة العراقية، طريق تبدو سحرية. فإذا ما سلكت وفقاً للتقويم الأميركي ستعالج الانقسامات الطائفية وتعيد الأمن الى العراق.
جديد الكلام جدول زمني، على حكومة المالكي أن تلتزم به، فتقوم خلاله بنزع سلاح الميليشيات والقضاء على المسلحين وإعطاء جرعة مقوية للاقتصاد.
باختصار، كل ما عجز بوش عن تحقـــــــــــيقه في سنواته الثلاث الأخيرة، خـــــــــــطــــــــــــة تقوم على إلقاء كرة النار في أحضان المالكي وحكومته لعلها تفلح حـــــــيـــــــث فــــــــــــشل الآخرون... فـــــــشل لم تعترف به الإدارة الأميركية حتى الآن على الرغم من تشـــــــــــبيه بوش ما يجري في العراق بفيـــــــــــيتنام، تشبيه يراد منه استدعاء مشاهد بدايات الصراع مع الفيتكونغ (مع لحظ الفارق الكبير بين هؤلاء ومقاتلي القاعدة) وإغفال الصور الأخيرة لمغادرة الجنود الأميركيين لمقر سفارتهم في سايغون قبل ثلاثة عقود من الزمن.
* كاتب لبناني