حبيب فياض
ما إن انتهت الولايات المتحدة الأميركية من مناوراتها العسكرية في مياه الخليج التي أجرتها بمشاركة 25 دولة من حلفائها وأصدقائها، حتى بادرت جمهورية إيران الإسلامية منفردة الى تنفيذ سلسلة من المناورات العسكرية الضخمة مسجلة تقدماً كبيراً في مجالي التسلح والدفاع من خلال استخدامها ــ ولأول مرة ــ أسلحة وصواريخ تجعل القوات الأميركية في المنطقة واسرائيل أهدافاً في متناول النيران الإيرانية، الأمر الذي يمكن إدراجه في إطار الإصرار الإيراني على التعامل بندية وثبات مع التحديات الأميركية والضغوط الخارجية.
ومقابل النقلة النوعية التي أظهرتها المناورات الايرانية لناحية قدرات طهران الدفاعية والتسليحية، ذهبت الادارة الأميركية الى التقليل من أهمية هذه المناورات وذلك في إطار محاولة مكشوفة لإثارة الشكوك في القدرات العسكرية للايرانيين، وللتعمية على النتائج التي من الممكن ان تحصدها ايران من وراء مناوراتها هذه.
ولقد كانت طهران موفّقة في اختيارها لتوقيت هذه المناورات، من حيث جاءت متزامنة مع تناول الملف النووي الايراني على طاولة مجلس الأمن لتزيد من تعميق مأزق الادارة الاميركية في التعامل مع هذا الملف وتضييق الهامش المتاح أمامها للحد من اندفاعة ايران النووية، ذلك ان وصول المفاوضات بين الايرانيين والأوروبيين الى طريق مسدود، وأيضاً في ظل استبعاد حصول إجماع في مجلس الأمن على فرض عقوبات على طهران بالطريقة التي يريدها الاميركيون، كل هذا سيدفع واشنطن الى التعامل مع الجمهورية الاسلامية من خارج مجلس الأمن وفق خيارات تراوح بين التهويل باللجوء الى ضربة عسكرية وحصولها فعلاً، وفي كلتا الحالتين لا يبدو ان الاميركيين سيصلون الى نتيجة، وخاصة ان طهران قد تحلّت بما يكفي من شجاعة في الموقف واستطاعت القفز فوق الأهداف التهويلية للمناورات الاميركية والرد عليها بمناورات أخرى جدية وناجحة، وأظهرت ما يكفي من الكفاءة العسكرية العالية ــ ومن خلال مناوراتها أيضاً ــ وبالتالي المقدرة على المواجهة وإلحاق الأذى في حال تجاوزت المناورات الاميركية حد التهويل ومهّدت لعمل عسكري ما. لقد كشفت سياسة المناورات العسكرية بين طهران وواشنطن عن مزيد من نقاط القوة لدى الايرانيين ومزيد من التخبّط لدى الإدارة الاميركية، إذ ذهبت واشنطن الى مناوراتها العسكرية ومن بين أهدافها دفع إيران الى التراجع عن حقوقها النووية ومنعها من استيراد كل ما له صلة بالتقنية النووية، فكان الرد إعلان طهران أنها في صدد تركيب سلسلة ثالثة من الطرود المركزية للتخصيب، واستعدادها لتصدير التقنية النووية ومنجزاتها التسليحية الى الدول الصديقة. في المقابل ذهب الايرانيون الى مناوراتهم بهدف ردع الأميركيين عن القيام بأي عمل عسكري ضد بلادهم، والنتيجة لم تكن سوى المزيد من التردد الاميركي في اللجوء الى القوة، وبذلك تتحول قوة طهران العسكرية الى ورقة أساسية تمثّل، الى جانب الأوراق الأخرى التي بحوزتها، استراتيجيا ردع مكافئة تملكه واشنطن من قدرات على الصعيد العسكري.
ما يحصل في منطقة الخليج من استعراض للقوة بين طهران وواشنطن لا يشير بالضرورة الى قرب المواجهة العسكرية بينهما بمقدار ما يشير الى استبعادها، بيد ان ثمة ما يبرر القلق من دور ما تقوم به الدول الخليجية العربية بوحي من الضغوط الاميركية بهدف التضييق على ايران، وخاصة ان هذه الدول تصطف في محور «الاعتدال» الذي ترعاه واشنطن مقابل محور «التطرف» الذي ترأسه طهران. وربما يندرج في هذا السياق ما رشح عن اجتماع وزراء دفاع مجلس التعاون الخليجي ــ الذي تزامن مع المناورات الايرانية ــ والذي تبنّى قراراً بتطوير قوات درع الجزيرة التابعة له وتفعيلها لمواجهة أي خطر محتمل تتعرض له المنطقة... واذا كان مؤكداً ان الولايات المتحدة صديق حميم لعرب الخليج، فمن هو الخصم الذي يتخوّف الخليجيون من أخطاره؟!