مارغريت بيكيت *
إن الإرهاب الدولي الذي نواجهه اليوم يقوم على رؤية دينية زائفة لعالم متحول بأكمله، ومن ثَمّ يصبح بدعة عقائدية تروّج هذه الرؤية بين القابلين للتطبّع من الشباب والشابات. وهذا هو ما جعله قادراً على إقناع شاب بريطاني يانع وُلد في مجتمعنا الديموقراطي المتسامح، وليس لديه أي نقمة مبررة على أقرانه من المواطنين البريطانيين، بأن يفجّر نفسه على متن قطار مزدحم بالركاب.
لقد كان التصريح الذي أدلى به شهزاد تنوير، وهو أحد الرجال البريطانيين الضالعين في التفجيرات التي وقعت في لندن السنة الماضية، من أكثر التصريحات إثارة للقشعريرة. فقد قال بأن من دفعوه إلى أن يفجّر نفسه سيحالفهم النصر لقوله «نحن نحب الموت تماماً كما أنتم تحبون الحياة».
لكن يتضح لي تماماً أن «نحن» التي استخدمها تنوير هنا لا ترمز إلى الغالبية العظمى من المسلمين، سواء في المملكة المتحدة أو خارجها. فالمسلمون البالغ عددهم مليوني مسلم ويقدمون مساهمات عظيمة في حياة بلدنا لم يطلبوا من هؤلاء الإرهابيين ارتكاب هذه الأعمال باسمهم، بل إن الغالبية العظمى منهم يشعرون بالاشمئزاز بسبب العار الذي يلحقه الإرهابيون بدينهم العظيم والنبيل.
هذه رؤية تقوم على فرضيتين أساسيتين زائفتين. الفرضية الأولى تزعم أن الغرب يقوم بحملة متعمّدة ومنظمة لمهاجمة الإسلام في كل من الداخل والخارج، وهذا محض هراء وافتراء. فبقدر ما يُعتبر «الغرب» كياناً سياسياً له أي معنى، تبرهن الدلائل على أن للغرب سجلاً قوياً في مساعدة المسلمين ودعمهم، والمساعدات التي قدمها الغرب لكوسوفو ودارفور وضحايا التسونامي وضحايا الزلزال في كشمير ما هي إلا بعض الأمثلة على ذلك. وقد قدمت المملكة المتحدة للعالم الإسلامي طوال السنوات الخمس الماضية ما يربو على 5 مليارات جنيه إسترليني من المعونات على شكل مساعدات إنسانية ومشاريع ومعونات تنموية، سواء في شكل ثنائي أو عبر أجهزة متعددة الأطراف.
ولنأخذ القضية الفلسطينية على سبيل المثال. لقد روّعتني الأحداث الأخيرة التي وقعت في بيت حانون في قطاع غزة التي نجم منها مقتل 20 فلسطينياً نتيجة القصف الإسرائيلي لأحد البيوت الفلسطينية، وعدد أكبر من ذلك بكثير سقطوا جرحى، وأشد ما أفزعني في شكل خاص هو الأعداد الكبيرة من الأطفال والنساء بين الضحايا. من الصعب فهم كيف يمكن تبرير مثل هذا الهجوم. وقد أعربتُ مراراً وتكراراً عن قلقي العميق حيال العدد المتزايد للضحايا والمعاناة التي يعانيها المدنيون في غزة، وما فتئت أثير هذا الموضوع مع الحكومة الإسرائيلية. وإن الهجمات الصاروخية المستمرة في داخل إسرائيل هي أمر غير مقبول أيضاً. إن مثل هذا العنف يضاعف من صعوبة التوصل إلى التسوية السلمية التي تلتزم المملكة المتحدة السعي لتحقيقها.
في أغلب الأحيان نُصوّر وكأننا لا نبالي بالوضع المأساوي الذي يجد الفلسطينيون أنفسهم فيه، أو أننا نمثّل جزءاً من حصارهم. لكن كيف يمكن هذا أن يكون صحيحاً إذا ما وجدنا أن الاتحاد الأوروبي، على رغم وجود حماس على سدة الحكم، قد قام فعلياً بزيادة المعونات المالية التي قدمها للفلسطينيين خلال العام الجاري. والمملكة المتحدة ــ التي تعتبر أكبر المتبرعين الأوروبيين ــ قد خصصت 30 مليون جنيه إسترليني لمساعدة الفلسطينيين خلال العام الجاري وحده.
أدرك أن عناصر السياسة الخارجية البريطانية تثير قلق بعض المسلمين، على رغم أنه ــ ولنكن واضحين ــ ليس المسلمون فقط هم من يشعرون بالقلق من قضايا كالعراق. إلا أن الإيحاء بأن أياً من تلك السياسات تعتبر جزءاً من مخططات معادية للمسلمين وضعها رئيس الوزراء وأعضاء وزارته بغرض قمع المسلمين، يعتبر أمراً منافياً للعقل. فليس هناك أي رابط منطقي بين رفض العمل العسكري ضد صدام حسين وقتل المدنيين، بما في ذلك قتل المسلمين لأقرانهم من المسلمين، على متن قطار أنفاق أو حافلة نقل الركاب، ولا حتى في سوق مزدحمة في وسط بغداد. مجتمعنا هو مجتمع متسامح متعدد الأديان ويضمن ويحمي الحريات الدينية. لكن الإرهابيين يختارون أن يتجاهلوا هذه الحقيقة.
الفرضية الثانية تكمن في أقاويل الإرهابيين بأنهم يدافعون في شكل ما عن المسلمين. لكن الحقيقة المأساوية هي أن غالبية ضحاياهم من المسلمين. فقد فجّروا أنفسهم وسط حفل زفاف في الأردن، وقتلوا مدرّسين في أفغانستان، ودمروا مساجد وقتلوا مواطنين أبرياء في جميع أرجاء العراق، ويحاولون إخافة السائحين وإبعاد المستثمرين عن مصر وإندونيسيا، وأعمالهم تحوّل حياة المسلمين إلى الأسوأ لا الأحسن كما يدّعون.
لنعمل جميعاً على حرمان الإرهابيين من الأهمية التاريخية التي ينسبوها إلى أنفسهم. فليس لديهم الحق أبداً في الحديث باسم الدين الإسلامي العظيم والنبيل. هذه ليست معركة بين الحضارات، بل هي معركة بين الغالبية العظمى من الأفراد المتحضّرين الذين يريدون أن يعيشوا ويعملوا وينعموا بالرخاء مقابل أقلية ضئيلة جاهلة وبغيضة تضم مجموعة من القتلة والمجرمين الذين يريدون جرّ العالم إلى مستنقع الفوضى.
تضم وزارة الخارجية فريقاً مختصاً من الناطقين باسمها باللغتين العربية والأوردية، وممن يحظون باحترام كبير، يعملون مع وسائل الإعلام بهدف بناء الجسور وتسهيل الحوار. وما يقوم به هذا الفريق يأتي استجابة للنمو السريع لوسائل الإعلام المستقلة والمؤثرة في العالمين العربي والإسلامي. فوجود وسائل إعلام ناقدة وحرة يعتبر أداة قوية في مكافحة النظرة المعمّمة والمشوهة للعالم كما يصوره الإرهابيون.
وتدعم وزارة الخارجية وفوداً من المسلمين البريطانيين للسفر إلى دول كباكستان ومصر وإندونيسيا. والأشخاص الذين يسافرون ضمن هذه الوفود لا يقفون موقف المعتذر عن السياسة الخارجية لبريطانيا ــ بل إن العديد منهم لديهم وجهات نظرهم القوية في شأن العراق، على سبيل المثال ــ ولكنهم يقدمون صورة ثلاثية الأبعاد لأقرانهم من المسلمين عن التحديات وكذلك الفرص التي يتيحها العيش في المملكة المتحدة اليوم. فعلى سبيل المثال، يشرحون حقيقة أنهم يؤدون أدوارهم كاملة في مجتمع ديموقراطي، وأن لديهم فرصاً كثيرة للتعبير عن وجهات نظرهم في شأن السياسة التي تتبنّاها الحكومة.
الجاليات المسلمة في المملكة المتحدة هي الأكثر قوة كسفراء محتملين لبريطانيا، وهي ميزة لا تقلل في أي شكل من الأشكال من شأن كونهم سفراء يمثلون دينهم. إنهم يمثلون أعظم السبل التي لدينا لسد فجوات الفرقة التي يحاول الإرهابيون توسعتها. وحينما يتحدث الأقران المسلمون في مواجهة التطرف ويصححون النظرة الملتوية إلى العالم التي ينشرها الإرهابيون، فإن حديثهم يكون وقعه أكبر كثيراً ورفضه يكون أصعب كثيراً مما لو كان وزير في الحكومة قد قال هذه الكلمات نفسها.
وبالتالي حينما يكون هناك خبر جديد تتناوله عناوين الأخبار في شأن علاقات المسلمين في بلدنا هنا، فلنستمع للأصوات الأخرى بدل الاستماع لأصوات من يمثلون وجهات نظر أقلية ضئيلة على أي من جانبي الجدل، ولندع مجموعة أوسع نطاقاً من الأصوات ــ ممن لديهم الصدقية والتأثير في معالجة التحريفات المتطرفة وممن يقدمون تفسيراً أكثر توازناً للأحداث ــ لإسماع العالم صوتهم. يجب أن ندع المتطرفين ينبحون في الظلام بينما نجد نحن، الغالبية العظمى، وسيلة مشتركة لهزيمتهم وهزيمة الإرهاب الذي يقترنون به.
لقد برهن شهزاد تنوير ــ من خلال تمجيده الموت الذي ينمّ عن رفض جميع المبادئ والقيم ــ على سبب كون الإرهابيين سوف ينهزمون. فالمواطنون من أي بلد من بلدان العالم، مهما كان دينهم أو ملّتهم أو لونهم، يحبون الحياة بقوة ليس في مقدور الإرهابيين أبداً أن يضاهوها. وإذا ما استطعنا من خلال حشدنا قوانا وعبر العمل الجاد والدبلوماسية أن نحدد معالم الأرض المشتركة التي نقف عليها والقيم المشتركة التي نؤمن بها وندافع عنها بكل عزم وقوة، فإن في استطاعتنا معاً أن نهزم الإرهاب.
* وزيرة الخارجية البريطانية