عادل علوان*
هل ستعيد الادارة الأميركية بعد فوز الديموقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ترتيب أوراق الملف العراقي وأولوياته؟.. ربما يحصل ذلك، ولكن كيف؟
هذا ما لا يبدو جلياً حتى الآن، إذ ما زال الوقت مبكراً لتشخيص أطر وسياقات يمكن أن تنتهجها الأغلبية الديموقراطية في مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الأميركي، أي بعبارة أخرى ما زالت الصورة ضبابية ومشوشة ولم تتضح معالمها وملامحها وألوانها بعد.
سياسي عراقي بارز وزعيم إحدى الكتل الرئيسية في مجلس النواب العراقي (البرلمان) ردّ عندما سئل في محفل خاص عن رؤيته طبيعة التعاطي الأميركي الجديد مع الوضع العراقي قائلاً «لا يمكن الحديث الآن عن تغيرات جدية وحقيقية في موقف واشنطن من الملف العراقي، نحتاج الى مزيد من الوقت حتى تتضح لنا صورة المشهد السياسي الجديد».
وبينما كان الشأن العراقي حاضراً بقوة في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة في سابقة غير معهودة، وربما شكل عاملاً حاسماً في تحديد جزء لا يستهان به من النتائج، ألقت تجاذبات المعركة الانتخابية وفي ما بعد نتائجها بظلالها على مسرح الأحداث في العراق.
والمفارقة هنا ان الأطراف التي قاطعت العملية السياسية منذ بداية انطلاقتها بمجيء السفير بول بريمر الى العراق مطلع شهر أيار 2003، أو التي دخلت فيها في مراحلها اللاحقة وبقيت تحمل الكثير من التحفظات عليها، راهنت تلك الأطراف على فوز الحزب الديموقراطي على غريمه الجمهوري انطلاقاً من تبريرات لم تكن مقنعة بما فيه الكفاية، وتركّزت على الرغبة في هزيمة إدارة الرئيس جورج بوش، حتى يتاح لخصومه تغيير الأجندة الأميركية في العراق، أو في أسوأ الأحوال إجراء تعديلات ذات أهمية عليها.
قد تنطوي مثل هذه النظرة على قدر كبير من التبسيط والتسطيح، إن صح التعبير، لفهم وتحليل واقع السياسة الأميركية بإطارها العام الشامل، سواء كان المتربع على عرش البيت الأبيض أو صاحب المساحة الأوسع في الكابيتول هول من الجمهوريين أو من الديموقراطيين، وعلى عدم قراءة رؤى الفريق الثاني وتصوراته قراءة دقيقة حيال الوضع في العراق وما يتحتم على واشنطن فعله هناك.
وهناك حقائق لا بد من التوقف عندها حينما يراد استشراف المتغيرات في التعاطي الاميركي مع الشأن العراقي، منها:
أولاً: إن الرئيس الأميركي بموجب الدستور يتمتع بصلاحيات دستورية تخوّله استخدام حق النقض «الفيتو» ضد أي قرار برلماني لا يرغب في التوقيع عليه.
ثانياً: إن معظم مشاريع القوانين تحتاج لإقرارها الى ستين صوتاً من مجموع أصوات مجلس الشيوخ البالغة مئة صوت، ومعلوم أن الديموقراطيين نجحوا في إحراز واحد وخمسين صوتاً، ما يعني أنهم يمتلكون أغلبية قد لا يستطيعون من خلالها تمرير ما يريدونه ببساطة.
ثالثاً: قبل الانتخابات وبعدها كان من اليسير على المتابع أن يرصد قدر من التقاطعات والتناقضات داخل معسكر الديموقراطيين، مثلما هو الحال في المعسكر المقابل، وهذه التقاطعات والتناقضات إن دلت على شيء فإنها تدل على عدم نضوج رؤية واضحة لدى الأغلبية الديموقراطية في شأن المسائل الحساسة والمهمة حيال العراق.
رابعاً: من حيث الجوهر والمضمون، الهوة لا تبدو واسعة جداً بين الجمهوريين والديموقراطيين، فالفريق الأول لا يرى صحة انسحاب سريع للقوات الأميركية من العراق، وهذا ما يراه الفريق الثاني أيضاً، والفريق الأول لا يعتقد ان تحديد جدول زمني لانسحاب القوات خياراً سليماً لأنه بحسب الرئيس جورج بوش وآخرين سيعني هزيمة أمام الارهاب، لكنه يقر بضرورة بحث كل الأفكار والرؤى والتصورات للخروج بأفضل صيغة لمعالجة جوانب القصور والضعف والخلل. في الوقت نفسه يعتقد الفريق الثاني بإمكانية تحقيق انسحاب تدريجي للقوات الأميركية على مراحل من العراق، وهم بالفعل في صدد إعداد مشروع قرار في هذا الشأن لعرضه على الكونجرس خلال وقت قريب ربما يعقب تقديم «مجموعة دراسة العراق» برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر تقريرها النهائي عن العراق متضمناًَ الخيارات والبدائل العملانية لتصحيح الأخطاء، أو قل لتعديل المسار.
وطبيعي ان صناع القرار السياسي في العراق، والمعارضين للوجود الأميركي والمقاطعين للعملية السياسية يدركون أهمية الجدل الدائر في واشنطن وحساسيته وتأثير نتائجه على توجيه مسارات المعضلة العراقية من كل زواياها وجوانبها، لكن قد لا يدرك كل هؤلاء بالكامل ان التغيير الذي طرأ على الخريطة السياسية في الولايات المتحدة الاميركية، سواء افترضنا ان هذا التغيير كان جزئياً أو كلياً، لا يعني انقلاباً أو تحولاً شاملاً في أولويات الأجندة الاميركية في العراق، وأي تغيير سيكون تدريجياً وعلى مهل، فما يستعجله العراقيون قد لا تستعجله واشنطن. وقد يكون ما قاله بعض القريبين من الدوائر السياسية هنا في بغداد واقعياً الى حد كبير... «انسحاب حقيقي ملموس لن يحدث في كل الاحوال خلال سنة من الآن، وإعادة انتشار القوات الاميركية وانسحابها من بعض المدن ممكنان من دون ان يكون ذلك نهائياً، فهو محكوم بمقتضيات الظروف الآنية، واعادة تشكيل الخريطة السياسية العراقية في شكل يفضي الى تغيير ــ أو تشويه ــ معالمها وملامحها الحالية مثلما يعوّل هذا الطرف أو ذاك أمر مستبعد إن لم يكن مستحيلاً».
ماذا يعني ذلك.. بعبارة مقتضبة يعني أن المأزق العراقي سيبقى على امتداد سنة من الآن في أقل تقدير يدور في الحلقة المفرغة عينها التي ظل يدور فيها طوال السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية، وحينها قد يغيب عن بال عدد غير قليل من العراقيين ان الجمهوريين انهزموا في انتخابات الكونجرس بسبب أخطائهم الفادحة في العراق!
*كاتب عراقي