ماجد عزام *
التفاؤل الذي ساد الساحة السياسية الفلسطينية منذ إعلان التوافق على تأليف حكومة وحدة وطنية فلسطينية كان مبالغاً فيه بالتأكيد ووليد الظروف المأساوية والصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الآن سواء في الضفة الغربية حيث الحواجز الاسرائيلية التي وصل عددها إلى قرابة ثمانمئة حاجز الأمر الذي حوّل المدن والقرى الفلسطينية إلى كانتونات وجزر معزولة بعضها عن بعض أو في قطاع غزة حيث القتل والمجازر شبه اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال. والحقيقة أن ما تم التوافق عليه ليس أكثر من حكومة تكنوقراط وحتى هذه على أهميتها لا تمثل سوى قمة جبل الجليد من المشاكل والملفات الفلسطينية العالقة التي يمثل التوافق على حكومة تكنوقراط مجرد ضغوط تمهيدية نحو تهيئة الأجواء المناسبة للتعاطي معها بجدية ومحاولة وضع الحلول والإجابات المناسبة لها.
إذاً ضُخّمت خطوة الموافقة على حكومة التكنوقراط وأعطيت صفة حكومة وحدة وطنية، وعلى رغم أن التوضيحات التي قدمتها الأطراف المعنية ــ حماس وفتح تحديداً ــ تشير بوضوح إلى أن الحكومة المقبلة ستكون حكومة تكنوقراط لا تضم أياً من الوجوه السياسية البارزة وتنحصر مهماتها في الإشراف على الأوضاع المعيشية والحياتية للمواطنين الفلسطينيين في الداخل وترك الملفات السياسية لبقية المؤسسات الفلسطينية وعلى رأسها بالطبع الرئاسة ومنظمة التحرير التي يجب أن تشكل الإطار المناسب والحيوي لمناقشة القضايا والتحديات السياسية والاستراتيجية المطروحة أمام الشعب الفلسطيني وحسمها. ومن هذا المنطلق تحديداً يجب النظر إلى حكومة التكنوقراط كوسيلة لا كهدف وإلا أضحينا أمام مغالطة كبيرة وخداع عميق للنفس والذات الوطنية، وسيلة للوصول إلى الوحدة الوطنية على مستويات مختلفة، أولاً بين حماس وفتح ثم بقية أطراف الساحة السياسية الفلسطينية، وكذلك الوصول إلى وحدة وطنية في الداخل عبر حسم القضايا المتعلقة بالحكومة ثم الانتقال إلى الخارج والشتات حيث الوحدة الوطنية تعني في شكل مباشر إعادة بناء منظمة التحرير وكل المؤسسات والهيئات الأخرى المرتبطة بها.
على صعيد الداخل الفلسطيني يمثل التوافق على حكومة تكنوقراط مجرد خطوة متواضعة ولكن مهمة على صعيد تحقيق الوحدة الوطنية وتنفيس الاحتقان والتوتر اللذين طبعاً هيمنا على الساحة السياسية طوال الشهور العشرة الماضية التي أعقبت فوز حماس بالانتخابات التشريعية التي أجريت في كانون الثاني الماضي، وللتذكير فإن تلك الانتخابات أعطت حماس وفتح 85% من أصوات الناخبين وفق النظام النسبي وهي طريقة التصويت الأقرب إلى الواقع والأكثر قدرة على التعبير عن الخريطة السياسية والحزبية ورسمها، وبالتالي فإن التوافق بين حماس وفتح يمثل خطوة جوهرية وأساسية نحو التوافق الوطني الفلسطيني مع إعطاء أهمية ملحوظة لمواقف الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ــ الاستطلاعات تعطي الجهتين معاً 10% من أصوات الناخبين. إذاً التوافق على حكومة تكنوقراط بين حماس وفتح يجب أن يتبعه التوافق على القضايا والملفات المرتبطة بالحكومة ومنها الصلاحيات المتعلقة بالوزارات والهيئات الفلسطينية المختلفة وبالقرارات التي اتخذتها حكومة فتح الأخيرة برئاسة أحمد قريع ولم تعترف بها حكومة اسماعيل هنية، وكذلك بالقرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية ولم يصادق عليها الرئيس محمود عباس، ناهيك من القرارات التي اتخذها المجلس التشريعي السابق في جلسته الوداعية التي كانت أقرب إلى المهزلة ومحاولة يائسة للسيطرة على أكبر عدد ممكن من المناصب والوظائف الشاغرة، إضافة إلى ذلك يمكن الإشارة إلى المراسيم التي أصدرها الرئيس محمود عباس ونقل بموجبها الإشراف على عدد من الهيئات والمؤسسات الحساسة مثل الإذاعة والتلفزيون والمعابر والأمن الداخلي من الحكومة إلى ديوان الرئاسة فضلاً عن نزع سلطة تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا من المجلس التشريعي ونقلها إلى الرئاسة أيضاً، وهذه الملفات يفترض ويجب أن تحل بذهنية التوافق وعقليته نفسيهما، وكما أبدت حماس استعدادها للتنازل عن منصب رئاسة الوزراء واستبعاد الرموز والوجوه القيادية الحمساوية من الحكومة فقط من أجل المصالح الوطنية العليا يجب على الأطراف الأخرى القيام بشيء مماثل عبر الاحتكام إلى الدستور وإعطاء الحكومة المقبلة الصلاحيات نفسها التي تمتعت بها حكومة أبو العلاء الأخيرة وترك القضايا الخلافية الأخرى للجنة مشتركة من الجانبين لحسمها وفق ما تقتضيه المصلحة العامة وبما لا يتناقض مع الدستور. هناك قضايا أخرى مرتبطة بالحكومة مثل تبادل الأسرى والتهدئة وهي ملفات يحتاج حسمها إلى أعلى درجة من الثقة المتبادلة وأقل مستوى من الفئوية والمصالح الضيقة.
وبالنسبة إلى تبادل الأسرى فالخطوط العريضة باتت معروفة والتفاصيل الأخرى ستحسم مع الوقت أما التهدئة فهي ضرورية جداً لأن الظروف الفلسطينية مشابهة تماماً للظروف التي أعقبت وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات وانتخاب الرئيس الحالي محمود عباس في كانون الثاني يناير 2005، والتهدئة ستكون مشروطة ومتبادلة وستعطي الفرصة لترتيب الساحة الفلسطينية وتنفيس الاحتقان وتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني الحياتية والمعيشية. ومن نافل القول الإشارة إلى أن كل ما سبق مرتبط حكماً برفع الحصار غير العادل المفروض على الشعب الفلسطيني في الداخل.
حكومة التكنوقراط ستكون من دون جدوى وعديمة الأهمية وذات فائدة مؤقتة وآنية إذا لم ترتبط بالشروع في إعادة بناء منظمة التحرير وفق أسس ديموقراطية ووطنية سليمة ووفق ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني.
وإذا ما ترافق رفع الحصار مع إعادة بناء جدية لمنظمة التحرير بمؤسساتها المختلفة في مناطق الشتات وإعطاء حرية حركة سياسية للرئيس محمود عباس فإن العوامل السابقة مجتمعة ستصب في المصلحة الوطنية الفلسطينية وستزيد من أهمية العامين المقبلين لجهة فحص مدى جدية المجتمع الدولي في الوصول إلى تسوية عادلة في فلسطين المحتلة وحل عادل لقضية اللاجئين، وإذا ما أدت الظروف الاسرائيلية الداخلية والانحياز الدولي وخاصة الأميركي لاسرائيل إلى انهيار أو جمود عملية التسوية فإن الساحة الفلسطينية ستكون محصنة وستكون المؤسسات الفلسطينية الدستورية والوطنية جاهزة لاستخلاص العبر وحصر التداعيات السلبية ومنعها من التأثير في المصالح والآمال الوطنية الفلسطينية.
* مدير مكتب شرق المتوسط للصحافة والإعلام