محمد شقير *
لقد درجت المقاومة في سنواتها الأولى على إعطاء كل الاهتمام للجبهة الخارجية المتمثلة بمقاومة الاحتلال وتحرير الأرض والدفاع عن الوطن، وكان هناك في المقابل شبه إعراض عن الساحة الداخلية ومشاكلها وإشكالياتها، إلا في موارد محدودة ترتبط بشكل مباشر بعمل المقاومة أو بجملة من الأمور التي اعتبرت يومها من اهتمامات الفكر المقاوم. وقد كان لاهتمام المقاومة الكامل بالجبهة الخارجية وتجنبها الساحة الداخلية جملة من الإيجابيات، منها تأكيد صدقية المقاومة في ترفعها عن مغانم السلطة وتجنيب نفسها مشاكل الدخول في السلطة وما يترتب عليه من الغرق في تفاصيل الساحة الداخلية على حساب صرف كل الاهتمام بالفعل المقاوم. ويمكن القول إنه قد مرت العلاقة بالساحة الداخلية في مراحل ثلاث:
1ــ التنظيم المقاوم: وهذه المرحلة هي في بدايات العمل المقاوم حيث كان هناك إعراض شبه تام عن الساحة الداخلية ومشاكلها وشجونها.
2ــ المجتمع المقاوم: وهذه المرحلة هي نتيجة أمرين: الأول إهمال الدولة للعديد من المناطق، منها مناطق تُعَدُّ الحاضن الديموغرافي والجغرافي للمقاومة، والثاني التفات المقاومة أكثر فأكثر إلى أن قوة المقاومة في قوة مجتمعها، وهو ما دفع بها إلى العناية بتنمية المجتمع تربوياً واجتماعياً وفي مختلف المجالات.
3ــ الدولة المقاومة: وجاءت هذه المرحلة نتيجة الالتفات أكثر إلى قوة العلاقة بين المقاومة والبيئة السياسية الحاضنة لها بما فيها الدولة، حيث أكدت أكثر من تجربة في رد العدوان الإسرائيلي أن الدولة إذا كان خيارها السياسي خيار مقاومة الاحتلال وحماية لبنان، فإن أداءها السياسي عندئذ سوف يسهم في تحصين الفعل المقاوم وحمايته ومحاولة استثماره بما يؤدي بالتالي إلى تحقيق الأهداف المطلوبة من حركة المقاومة وإنجازاتها.
ولا بد من الإشارة إلى أن المرحلة التي تلت دخول المقاومة كطرف سياسي في السلطة التنفيذية تختلف عن المرحلة التي سبقتها، حيث كانت المرحلة السابقة تتميز بوجود طرف إقليمي ممسك بمفاصل السلطة في لبنان وله خياراته الممانعة بوجه إسرائيل، في حين أن المرحلة التي تلتها تتميز بمستوى متقدم من النفوذ الأجنبي والأميركي في لبنان وحجم أكبر من التدخل في شؤونه، لذا فإن المقاومة وجدت نفسها معنية بشكل مباشر في الدخول في السلطة التنفيذية ليشكل دخولها نوع ضمانة في الحفاظ على خيار الممانعة بوجه المشروع الأميركي الذي يتماهى بشكل كامل مع المصلحة الإسرائيلية، وخصوصاً في ما يرتبط بموضوع سلاح المقاومة وما يشكله من قوة ردع بوجه إسرائيل.
وهنا لا بد من التأكيد على أن دخول المقاومة في معترك السياسة الداخلية يختلف عن أي دخول آخر في هذا المعترك، وهذا الاختلاف سوف يسمح لها بتجنب ما أمكن من مزالق الساحة الداخلية، أما مكامن الاختلاف ففي ما يأتي:
كما في جميع مؤسسات الدولة، هو دخول لا يهدف إلى الحصول على مغانم السلطة، بل الهدف منه توفير حماية سياسية لمهمة الدفاع عن لبنان وتحرير أرضه وحماية حقوقه بوجه إسرائيل.
2ــ إن هذا الدخول لا يمكن أن يكون مفصولاً عن كل القيم الأخلاقية والثقافية التي تؤمن بها المقاومة في الصدق والنزاهة والأمانة والإصلاح ومواجهة الفساد والتضحية من أجل الوطن والإنسان.
3 ــ إن هذا الدخول لا بد أن يكون قائماً على الإيمان بالدولة المقاومة، وهذه الدولة بالذات لا يمكن أن تكون إلا الدولة القوية والعادلة والحامية، وقوة الدولة لا تكون في مجال دون آخر فكما هي في سياستها هي أيضاً في اقتصادها وإداراتها ومختلف مجالاتها ومرافقها ومؤسساتها.
وبالتالي فإن هكذا دخول في الساحة الداخلية ومختلف مؤسسات الدولة سوف يؤدي إلى تقوية الدولة نفسها لأن مشاركة جميع الأطراف في الدولة وسلطتها التنفيذية يسهم في تحمل جميع القوى السياسية لمسؤولياتها تجاه الدولة والمجتمع.
*استاذ جامعي