محمد حسن *
إذا كانت جلستا الحكومة الأخيرتان وقراراتهما مخالفة لأحكام الدستور والميثاق وفقاً لما تقوله المعارضة فتلك مصيبة أما إذا لم تكن كذلك وكانت دستورية وقانونية كما يقول فريق 14 آذار فالمصيبة أعظم.
وفقاً لمنطق فريق 14 آذار فإن وجود رئيس الجمهورية أو عدم وجوده سيان في مجلس الوزراء، وتوقيعه أو عدم توقيعه سيان بالنسبة إلى قرارات مجلس الوزراء كما بالنسبة إلى إقرار المعاهدات الدولية.
ووفقاً لمنطق فريق 14 آذار فإن وجود طائفة كبرى أو عدم وجودها في مجلس الوزراء سيان لا يؤثر في ميثاق العيش المشترك ولا في دستورية الجلسات أو القرارات.
ووفقاً لمنطق بعض أطراف 14 آذار أيضاً فإنه لا فرق بين وجود أو عدم وجود رئيس المجلس النيابي، فهو ليس أكثر من مدير للجلسات ويستطيع المجلس أن ينعقد ساعة يشاء برئاسة رئيس السن أو نائب الرئيس. إذا كان هذا هو الدستور والطائف فبئس الدستور وبئس الطائف.
لو تحدثنا بلغة الطوائف من دون الاعتذار من أحد كما هي عادة من يتكلم عن الطوائف سنجد أن النظام السياسي اللبناني قد تحول من المارونية السياسية الدستورية قبل الطائف الى السنّية السياسية الدستورية بعد الطائف. أما ما يشاع عن مرحلة الشيعية السياسية خلال مرحلة الهيمنة السورية فلم تكن شيعية سياسية دستورية بقدر ما كانت حالة سياسية ناتجة من الأمر الواقع ومن خارج الأطر الدستورية كما كانت حال الترويكا وكما هي حال المحاصصة التي كان الرئيس نبيه بري يفرضها بأساليبه الضاغطة أو من افتعال أزمات سياسية لا من خلال ما تتيحه له صلاحياته الدستورية.
لماذا هذا الكلام؟ لأنه من الواضح أن هذا التشخيص لواقع الحال الدستورية للطوائف اللبنانية الكبرى يفسّر في الغالب السلوك السيادي لهذه الطوائف وخصوصاً وتحديداً حيال المحيط العربي والصراع العربي ــ الإسرائيلي.
في زمن المارونية السياسية كان الموارنة باعتبارهم أصحاب السلطة والنظام والإدارة الأشد حرصاً على سيادة لبنان حيال هذا المحيط والأقرب إلى منطق الحياد عن الصراع العربي ــ الإسرائيلي. في تلك المرحلة شكلت الطائفة السنية رافعة التيارات العروبية وحاضنة راية المقاومة الفلسطينية والسلاح الفلسطيني في لبنان. مع التحوّل الدستوري من خلال اتفاق الطائف تحوّل فريق السنية السياسية، باعتباره أصبح صاحب النظام والسلطة والإدارة الأول في لبنان، الى مواقع المارونية السياسية السيادية فبات الأكثر ميلاً إلى منطق السيادة حيال ما هو عربي وأقرب إلى منطق الحياد في الصراع الإقليمي لأن مصلحة الفئة الحاكمة مهما كانت هويتها الطائفية أو المذهبية تكمن في هذا التحول وهذا المنحى الواقعي الحيادي.
الشيعة كطائفة كبرى بقيت بعد الطائف كما قبل الطائف دون مستوى الفعالية والمشاركة الدستورية الكاملة في السلطة والنظام والإدارة. وفيما كان الشيعة في مرحلة المارونية السياسية يفتقرون إلى الحليف الخارجي الإقليمي أو الدولي كما هي حال الطوائف الأخرى، بقيت إمكاناتهم وطموحاتهم محدودة، إلا أنهم مع ظهور الجمهورية الإسلامية في إيران كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة بات لهم ما تيسّر لسائر الطوائف من معادل خارجي فاعل ومؤثر وقادر، ومن هنا أخذ الشيعة بعد الطائف دور السنة قبل الطائف إذ تسلموا راية المقاومة وفلسطين وقضايا الأمة العربية والإسلامية.
وللاختصار، إن مكمن الخلل في تمايز مواقف الطوائف وتباينها من المسائل السيادية ليس في التمايز الأيديولوجي أو الديني بقدر ما هو نتاج للخلل في الصيغة اللبنانية القائمة على التمييز والتفاوت في الأحجام والأدوار التي يحددها الدستور اللبناني للطوائف اللبنانية المختلفة ما يجعل لبنان حتماً معرضاً كل دورة زمنية معينة لاختلالات وصراعات متجددة.
إن جوهر القضية يكمن في المساواة بين اللبنانيين أفراداً ومواطنين، وإذا كان ذلك متعذراً في المستقبل القريب فلا بد من المساواة بين الطوائف الكبرى على الأقل في السلطة والقرار والإدارة من حيث لا تكون هناك هيمنة أو غلبة أو ترجيح لطائفة على حساب طائفة أخرى.
إن تحوّل السنية السياسية في اتجاه المنحى السيادي والاستقلالي اللبناني عن المحيط العربي لم يكن نتاج تحولات أيديولوجية أو مبدئية بل نتيجة تحولات في موقع السلطة وزاوية المصلحة تماماً كما كانت حال المارونية السياسية. وإذا كان للشيعة أن يتّجهوا في هذا الاتجاه وأن يتخلوا عما يراه الآخرون استقواءً بسوريا أو بإيران أو بالسلاح فهذا يكون في إشراكهم الحقيقي على قدر المساواة وفي شكل دستوري وقانوني مع سواهم من الطوائف الكبرى في السلطة والقرار والإدارة، من حيث تنتفي حاجتهم إلى أي شكل من أشكال الاستقواء بقوة من خارج الإطار الدستوري والقانوني لتحقيق مصالحهم أو للدفاع عن الأخطار التي تهددهم.
للأسف، أكد أداء فريق 14 آذار الأخير للشيعة ولغيرهم أيضاً أنهم أقرب الى أن يكونوا زيادة عدد في هذه السلطة ووجودهم كعدمه لا يؤثر في أي معطى دستوري أو قانوني أو ميثاقي، وهذا مدعاة لتأكيد الهواجس وتعزيز الشعور بالغبن والتهميش. وللأسف، معظم ما يحسب أنه مكاسب شيعية يأتي في الغالب بالضغط وأحياناً بالفرض ومن خارج سياق المؤسسات والقوانين فيما لا يحتاج الآخرون إلى أي ضغط لتحقيق مصالحهم وأغراضهم والأمثلة على ذلك أكثر من كثيرة.
* كاتب لبناني