حبيب فياض
لعل أكثر ما يلفت في جولة كوندوليزا رايس على المنطقة الاجتماع الذي ترأسته في القاهرة بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي الست بالاضافة الى مصر والاردن، حيث مثّل هذا الاجتماع مناسبة لاصطفاف قوى «الاعتدال» العربي تحت المظلة الاميركية، مقابل قوى «التطرف» تحت مظلة الارهاب، الامر الذي وفر للإدارة الاميركية فرصة جديدة من اجل اعادة ترتيب اوضاع المنطقة على النحو الذي تريده، لكن هذه المرة بأدوات إقليمية تشرف عليها من فوق، من دون أن تكون هذه الادارة مضطرة للدخول في زواريب المنطقة ومتاهاتها... وبذلك تضمن واشنطن تقسيم المنطقة الى جبهتين، الاولى «تحررية» تسعى الى الديموقراطية والسلام، فيما الثانية «إرهابية ومارقة» وتعمل على ضرب الأمن والاستقرار في اكثر من اتجاه.
على ان المطلوب اميركياً، بالاضافة الى ما تقدم، تعميم نموذج المنطقة المنقسمة الى جبهتين على الاقطار المحلية ايضاً، بحيث يصار، ما امكن، الى إيجاد انقسامات حادة ــ داخل الدول المستهدفة اميركياً ـ بين الاطراف التي تدور في فلك السياسة الاميركية والاخرى التي تتخذ من الممانعة ورفض هذه السياسة عنواناً لها.
لقد مثّلت جولة رايس على المنطقة رسالة واضحة، مفادها أن الادارة الاميركية قد ضاقت ذرعاً بالأوضاع في العراق وفلسطين ولبنان وسوريا وإيران، وأن على اصدقائها في المنطقة الالتحاق بها في معركتها ضد الارهاب، والتزام ما يطلب منهم على مستوى هذه الملفات، وإلا عُدّوا من المعسكر الآخر، عملاً بقاعدة من ليس معنا فهو ضدنا.
ففي العراق، المطلوب اميركياً دعم توجهات حكومة المالكي «المعتدلة» مقابل القوى الاخرى المناوئة للاحتلال الاميركي، سواء منها القوى التي تتحرك سياسياً لمواجهة قوات الاحتلال، او تلك التي تعمل ميدانياً لإخراج هذه القوات من العراق.
فلسطينياً، تسعى واشنطن الى دعم جهود الرئيس محمود عباس وحسم المعركة الفلسطينية لمصلحة خط «الاعتدال» الداعي الى الاعتراف بإسرائيل ووقف أعمال المقاومة، مقابل حركة حماس المتمسكة بخيار المقاومة وعدم تقديم اي تنازل للجانب الاسرائيلي.
على الخط اللبناني ايضاً، هناك دعم اميركي غير محدود لتوجهات فؤاد السنيورة لما يمثله من تتطلع الى نزع سلاح المقاومة وإلى اخراج لبنان من دائرة الممانعة، مقابل تيار المقاومة المتمسك بخيار مواجهة التدخلات الاميركية في لبنان والاعتداءات الاسرائيلية عليه.
وعلى الصعيد السوري، لا يخفى أن ثمة جهوداً اميركية ترمي الى فك الارتباط بين سوريا والمقاومة في لبنان من جهة، وفك التحالف السوري ــ الايراني من جهة ثانية، تمهيداً لعزل سوريا ودفعها الى التخلي عن حقوقها القومية ودورها الفاعل في المنطقة.
أما إيرانياً، فمن الواضح أن ادارة بوش تحاول جاهدة محاصرة ايران وعرقلة جهودها للحصول على الطاقة النووية من خلال دفع بعض الاطراف العربية الى إبراز مخاوف مفتعلة من نشاطات إيران النووية، خصوصاً بعدما فشلت هذه الادارة في التأثير على إيران عن طريق مجلس الامن والاتحاد الاوروبي وبعض الاطراف الدولية.
لقد سعت الدول العربية أخيراً الى إحياء عملية السلام عن طريق مجلس الامن، فقوبل هذا المسعى برفض أميركي، وبدلاً من أن تبادر هذه الدول الى وضع «تصورات» جدية لمعالجة الأزمات العربية الكبرى وتوحيد مواقفها تحت مظلة جامعة الدول العربية، إذا بنا نشهد مزيداً من الانبطاح العربي النشط امام الارادة الاميركية، وبالتالي المزيد من الانقسام العربي على حساب القضايا العربية مقابل المزيد من التوحد العربي لمصلحة الاميركي والاسرائيلي، حيث يبدو أن رايس قد نجحت، من خلال اجتماع القاهرة الاخير، في أن تؤسس الجامعة الاميركية للدول العربية بدلاً من الفقيدة الغالية جامعة الدول العربية.