حسن عجمي *
ظاهرة المقاومة في لبنان ظاهرة غير مُحدَّدة ولذا انتصرت. فمن غير المُحدَّد من هم القادة العسكريون في المقاومة وأين مقارهم ومنازلهم، ولذا استحال قصفهم. ومن غير المُحدَّد من هم رجال المقاومة وأين مواقعهم العسكرية، ولذا استحال قتلهم. ومن غير المُحدَّد ما هو السلاح الذي يملكونه وكم عدده وما قدرته، ولذا استحال إسكات سلاحهم. ومن غير المُحدَّد ما هي استراتيجيا دفاعهم وقتالهم، إذ من غير المُحدَّد مثلاً ما إذا كان سلاحهم سيوجَّه إلى عمق العدو أو إلى ما يرونه من جيشه، ولذا استحال على دولة إسرائيل الإرهابية أن تقرر ما هي الوسيلة المفيدة في قتال رجال لبنان وجباله. كلّ هذا حتَّم النصر للبنان والأمة والهزيمة لإسرائيل. فبما أن مقاومتنا ظاهرة غير مُحدَّدة المعالم، إذاً لها قدرة على التكيف مع الظروف الممكنة والمختلفة ما يسمح لها ويرجح أن تستمر وتصمد وتنتصر. هذا هو السبب الأساسي لانتصارنا. في المقابل، هُزِمت إسرائيل لأن كل ما فيها مُحدَّد ما يجعلها غير قابلة للتكيف مع المتغيرات الطارئة، فمن المُحدَّد مكان مواقعها العسكرية وقدراتها. وعدم التكيف يؤدي إلى عدم القدرة على الاستمرار، وهذا يعني الهزيمة لإسرائيل. مقاومتنا مقاومة سوبرحداثوية لأنها غير مُحدَّدة، الأمر الذي يضمن لها النجاح. فالسوبرحداثة تعتمد على مبدأ اللامُحدَّد من أجل الوصول إلى المعرفة. بالنسبة إليها، لا بد من تفسير الظاهرة من خلال لامحدديتها. ولذا نتيجة البحث هي أن المقاومة ظاهرة سوبرحداثوية. وسوبرحداثويتها مكّنتها من الانتصار. أما المعرفة التي تُوصِل إليها السوبرحداثة فليست سوى الانتصار في هذا السياق المقاوم. بالنسبة إلى السوبرحداثة، الكون غير مُحدَّد ولكن على رغم ذلك من الممكن معرفته لأن من خلال لامحددية الكون ننجح في تفسير حقائقه وظواهره. وبما أن السوبرحداثة تصل بنا إلى المعرفة من خلال مبدأ اللامُحدَّد، إذاً من الطبيعي أن توصلنا إلى الانتصار لأن المعرفة انتصار والانتصار معرفة. المقاومة متجذرة في لامحدديتها. فمثلاً، للمقاومة في لبنان بُعدان: بُعد غيبي وآخر دنيوي. يتمثل البُعد الغيبي في الإيمان بالإسلام وأن النصر من عند الله والاعتقاد بأن الله يمد المجاهدين بالنصر، بينما البُعد الدنيوي يتمثل في التدريب العالي المستوى للمقاومين وتنظيمهم الدقيق وسلاحهم المتطور. لكن لا يوجد فارق جذري بين البُعدين الغيبي والدنيوي وإلا لتناقضا وتصارعا وأُفشل نجاح المقاومة. هكذا من غير المُحدَّد ما إذا كانت المقاومة غيبية أو دنيوية، ولذا هي ظاهرة سوبرحداثوية. بكلام آخر، من غير المُحدَّد مثلاً ما إذا كان المقاوم يعتمد كلياً على سلاحه وتدريبه في قتاله للعدو أو يعتمد كلياً على توكله وإيمانه الغيبي. وهذا مكنه من أن ينتقل من مستوى أو بُعد إلى آخر من دون حرج فنجح مسعاه. وخير دليل على ذلك أن المقاومين اعتمدوا على ما يختاره الله أي «الخِيْرة» الدينية من أجل اتخاذ قراراتهم القتالية، لكن في الوقت نفسه اعتمدوا بشدة على ما تعلموا من أساليب الحرب وفنونه. هكذا أظهرت المقاومة لامحدديتها فقدّمت أجمل انتصار.
في عالم ممكن هو عالمنا الواقعي بالذات يوجد وطن صغير هو لبنان انتصر على الإمبراطورية الأميركية ــ الإسرائيلية. وفي عالم ممكن آخر تقدمت الجيوش العربية والإسلامية لإنقاذ أطفال لبنان وفلسطين ودمرت تل أبيب وحررت القدس. وفي عالم ممكن ثالث ثارت الشعوب العربية والإسلامية وتدفقت بسلاحها وإيمانها إلى فلسطين وأقامت خلافة العدل والمساواة. هكذا تدرس السوبرحداثة الأكوان الممكنة. فإذا ما نظرنا إلى الأكوان الممكنة مجتمعة ستبدو حقائقها غير مُحدَّدة، ولذا تدرس السوبرحداثة الظواهر من خلال مبدأ اللامُحدَّد. السوبرحداثة دراسة للممكنات، لكن أجمل سيناريو ممكن في عالم تحكمه الأنظمة الظالمة هو ما قامت به المقاومة في لبنان على رغم الحصار العربي والعالمي لها.
* كاتب لبناني