حبيب فياض
لا يخفى أن تجربة كوريا الشمالية النووية جاءت متزامنة مع انهماك اميركي كبير بالمنطقة، ومباشرة بعد جولة وزيرة الخارجية الأميركية على عدد من عواصمها، في اطار مساعي واشنطن لإعادة رسم خريطة سياسية جديدة للشرق الأوسط وفق أجندة يحتلّ فيها ملف إيران النووي موقع الأولية والصدارة.
من هنا تأتي كوريا الشمالية النووية، بما تحمله من تداعيات خطيرة، لتضع الإدارة الأميركية امام مأزق جدي ناتج، من جهة، من تزاحم الاولويات وبالتالي عدم مقدرة واشنطن على إعادة ترتيب اولوياتها والتحول من الملف الايراني الى الملف الكوري الشمالي، ومن جهة ثانية، من عدم مقدرة هذه الإدارة على البقاء متفرجة على تجاوز بيونغ يانغ الخطوط الحمر والسكوت على إنجازها النووي الذي يضع الهيبة الأميركية في العالم على المحك، فضلاً عن أنه يهدّد، بشدّة، المصالح الاميركية في شبه الجزيرة الكورية والدول المجاورة لها.
فالإدارة الاميركية اذاً مأزومة، لأنها في الأساس مرتبكة في مواجهة كل واحد من الملفين (الايراني والكوري الشمالي) على حدة، فكيف اذا كانت هذه الإدارة في مواجهة هذين الملفين في وقت واحد ودفعة واحدة، في مرحلة بلغ فيها تصلب طهران وبــــــيونغ يانغ ذروته إزاء الضغوط والتهديدات الأميركية، بينما تبدو واشنطن في ذروة ارتباكها وعجزها عن القيام بما من شأنه أن يروّع خصميها اللدودين؟
وبرغم اختلاف الحسابات بين طهران وبيونغ بانغ التي تقف خلف طموحاتهما النووية من النواحي التقنية والإقليمية والسياسية، فإن التقاطع في عدائهما لواشنطن من شأنه تعميق الأزمة الاميركية وخاصة أن هذين الملفين يفسحان في المجال امام الصين وروسيا لابتزاز الولايات المتحدة والتعامل معها بندّية ومنافسة، الامر الذي يدفعهما الى الاعتراض على دفع الأمور نحو التصعيد بالطريقة التي تريدها الولايات المتحدة والمفضية الى عقوبات صارمة وقاسية.
بالإضافة الى ذلك، من المرجّح أن تؤدّي أية إجراءات تصعيدية تُتخذ بحق كل من طهران وبيونغ يانغ، إلى تعقيد الأمور أكثر من حلحلتها، فـطهران تهدد، إذا فُرضت عقوبات عليها، بالانسحاب من اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية والبروتوكــــــول الإضافي، وهو ما سيوجد قطيعة بين ايران والمجتمع الدولي تحول دون مراقبة أنشطتها النووية وفـــــــــــهم طبيعتها. وتهــــــــدّد بيونغ يانغ بإجراء المزيد من التجارب النووية إذا مورس التـــــضييق عليها، الامر الذي سيضاعف المخاوف من قدرتها التسليحية والنووية.
لقد قطعت كل من طهران وبيونغ يانغ شوطاً نووياً من الصعب التراجع عنه، ونجحتا، الى الآن، في فرض أمر واقع جديد، فطهران لم يعد وارداً في حساباتها وقف التخصيب، وإذا ما أبدت استعدادها لتعليقه لفترة محدودة، فذلك لن يكون بدون حصولها على أثمان باهظة، أهمها: اعتراف دولي بحقها الدائم في التخصيب وضمانات بعدم تعرّضها لأي اعتداء أميركي. أما بيونغ يانغ فقد بات محسوماً امتلاكها التقنية النووية العسكرية، والحديث سيكون مستقبلاً عما إذا كان لديها طموحات نووية تضاف الى التجربة التي نفّذتها، وإذا وافق الكوريون الشماليون على الاكتفاء بما لديهم نووياً، وعدم الاسترسال في طموحاتهم، فإن ذلك سيكون، على الارجح، مقابل تنازلات تقدمها واشنطن على حساب مصالحها في كوريا الجنوبية واليابان. لا شكّ في أن تمسّك ايران بحقها النووي ومواجهتها للضغوط الدولية، قد شجّعا كوريا الشمالية على الإقدام على تجربتها الأخيرة، كما أن انهماك المجتمع الدولي بالملف النووي لبيونغ يانغ سوف تستفيد منه طهران لتحقيق المزيد من إنجازاتها النووية... والنتيجة مزيد من الحرج الاميركي الذي سيضع واشنطن بين خيارين: القبول بالأمر الواقع، أو الجنوح نحو مغامرة عسكرية مجهولة العواقب.