بولس خلف
كي نكون منصفين، لا يمكننا الجزم بل فقط الشك في ان المجموعة الحاكمة في لبنان متواطئة الى حد بعيد مع ما نشهده من محاولات لتدويل كل عناصر السيادة الوطنية من مياه ومجال جوي وتقاسم السلطة الميدانية على أرض الجنوب بين الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. مهما يكن، فمجرد السكوت عما يجري او الخضوع له لا يقل خطورة عن التواطؤ المباشر. في كلتا الحالتين، السلطة مدانة بسبب التفريط بالسيادة او عدم تمكّنها أو رغبتها في صيانتها.
ان سكوت أقطاب المجموعة الحاكمة عن الخروق الاسرائيلية والدولية للسيادة الوطنية أمر لافت. فالكل يتذكر كيف ان وزراء وشخصيات الرابع عشر من آذار أطلقوا حملة شعواء تحت شعار حماية السيادة بحجة ان السلطات السورية أقامت سواتر ترابية داخل الاراضي اللبنانية في منطقة البقاع، ليتبين بعد حين ان هذه المناورة كانت تصب في اطار تحضير الاجواء لتبنّي القرار الرقم 1680 في مجلس الامن الذي يطلب من لبنان وسوريا اقامة علاقات ديبلوماسية وترسيم الحدود بينهما. لكننا لم نسمع منهم اي تعليق او ادانة عندما استباحت اسرائيل مئة ألف متر مربع من خراج بلدة رميش الحدودية ومنعت المواطنين من الوصول الى أراضيهم. كما لم يرف لهم جفن بعدما غيّرت اسرائيل معالم الخط الازرق في اكثر من نقطة، وبعدما بدأت تسرق مياه الوزاني. ولا يخرق صمتهم المطبق إلا هدير الطائرات المعادية وهي تطير في المجال الجوي اللبناني فوق رؤوسهم.
ان تصرفات المجموعة الحاكمة تدل على إفلاس تام. فهي فقدت المبادرة، ولا تحمل برنامجاً واضحاً لبناء الدولة، ولا تملك مشروعاً سوى البقاء في السلطة، ولو تطلّب ذلك الارتكاز أكثر فأكثر على الخارج. ان كل حركة تقوم بها قوى الرابع عشر من آذار تكون توطئة أو تكملة لخطوة خارجية. واذا ما راجعنا مسار التطورات في الشهرين الماضيين المتعلقة بتنظيم الوجود الدولي وتوسيعه، يتبين في كل محطة ان السلطة شجعت أو سكتت عن خطوات ساهمت في جعل لبنان مكشوفاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً. وأصبح واضحاً اليوم ان المجموعة الحاكمة تحاول، بمساعدة الدول الغربية، فرض أمر واقع جديد يسمح بالالتفاف على المعادلة السياسية ــ الشعبية الداخلية التي لم تعد لمصلحتها، وتحاول الاحتفاظ بالسلطة كاملة وعدم تقاسمها مع شركائها في الوطن تبعاً للأوزان الحقيقية لكل القوى، بالارتكاز على الدعم الخارجي. واذا عدنا الى تصريحات جاك شيراك وجورج بوش وتوني بلير وحتى وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيفي ليفني، نلاحظ ان هذه الشخصيات تتحدث كلها عن «شهور حاسمة» في لبنان. إذاً المجموعة الحاكمة في سباق مع الوقت. عليها ان تمسك بكل مفاصل الدولة وان تسيطر على كل أجهزتها خلال فترة وجيزة لأنها باتت تشعر انها تفتقد الى الحاضنة الشعبية الكفيلة بحماية وجودها في الحكم وان الوسيلة الفضلى للبقاء في السلطة هي الاستئثار بها.
في هذا السياق، لا بد من طرح علامات استفهام عن موجة الهجمات وسط بيروت. القاسم المشترك لهذه الهجمات انها استهدفت أجهزة وأمكنة ترمز الى فريق سياسي معين. وتخللها كلام لأحد وزراء هذا الفريق على وجود مؤشرات إلى ان سوريا تحاول إشاعة جو من عدم الاستقرار في لبنان. هل نحن فعلاً نواجه محاولة إقليمية للعبث بالأمن، أم أمام مسرحية محلية تهدف الى إعادة تظهير صورة الضحية التي تتعرض لأبشع أنواع الاضطهاد؟ وهل هذا المسلسل الغامض هو مقدمة ما لمشروع دولي جديد؟
بعد ما عوّدتنا عليه المجموعة الحاكمة خلال الاشهر الماضية من مناورات، تبقى كل الاسئلة مشروعة الى ان يثبت العكس.