وليد الزبيدي
وصل الأمر بالتجربة الاميركية في العراق، الى نقطة في غاية الأهمية، هي الخلاف الحاد على أعداد القتلى من العراقيين، الذين سقطوا منذ بداية الغزو الاميركي في العشرين من آذار 2003 حتى الآن، وردّ رئيس البيت الابيض جورج دبليو بوش على دراسة لمجلة متخصصة، وتحدث بانفعال وعصبية، لأن هذه المجلة توصلت من خلال دراسات ميدانية داخل العراق، وبالاعتماد على مصادر موثوقة، الى إعلان إحصائية تقول إن عدد القتلى من العراقيين منذ بداية الغزو وخلال فترة الاحتلال بلغ 655 ألف إنسان عراقي.
فيما يقول رئيس البيت الأبيض ان العدد لا يتجاوز ثلاثين ألف عراقي سقطوا قتلى في زمن التجربة الاميركية في العراق التي امتدت لثلاث سنوات ونصف سنة.
ان الخــــــــــــلاف يتركز بصورة رئيسية عـــــــــــلى أعداد القتلى، ولم يتحدث الرئـــــــيس بوش عن الطرق والأساليب الــــــتي استخدمتها جيوشه في قتل العراقـــــــيين، ولم يتــــــطرق الى الأسباب الـــــــــتي وصــــــــلت بالعراقيين الى هذه الحالة المـــــــــأســـــــــاوية، وبدلاً من أن يقف بـــــــــوش ليقـــــــــلل من أعداد الضحايا من الــــــــــــعراقيين وهو الذي وعـــــــــــدهم بالرفاهية والتطور والانــــــــــتـــــقال بحــــــــــــياتهم الى أفضـــــــــل المســـــــــــــتويات، بدلاً من الــــــــــــــــتــــــــذكير بذلك، يـــــــــقــــــــف بـــــــــوش لــــــيقر ويعترف بقـــــــــتل العــــــراقيين بهذه الأعداد في ظل احتلاله البلد، وبنشر الــــــفــــــــوضى والدمار والخراب في مختلف مفاصله وأرجائه.
إن الجهات المسؤولة في العراق تخاف من إعلان إحصائية دقيقة عن عدد القتلى الذين توّج الاحتلال الاميركي صفحاته بهم منذ أن وطأت دبابات المارينز تراب الرافدين، بل ان المسؤولين العراقيين سرعان ما صفّقوا لبوش معلنين رفضهم الأرقام التي تفضح وجه الاحتلال وتكشف عن واحد من شروره المتطايرة في حياة العراقيين.
الجانــــب الاخر الذي يجب ان نـــــــــتحدث عـــــــنه، يتعلق بالجهة التي أعلـــــــنت هذه الاحـــــــــصائية، فالدراسة لم تصدرها الجهات المـــــــــــناهضة للاحــــــــتلال في الــــــعراق، سواء مـــــــن السياسيين أو فـــــــصائل المــــــــــقاومة، بل إنها جهة اميركية تحاول ان تثبت أقل قدر من الواقعية والمسؤولية، من خلال إعلانها هذه الأرقام التي قد لا يـــــعرفها بدقة ويتفق معها تماماً سوى الشارع العراقي الذي يدرك حجم القتل اليومي الذي يتعرض له العراقيون في كل مـــــــــكان منذ بداية الاحتلال وحتى اللحظة.
ان الخـــلافات لم تتوقف بخصوص أرقام القتلى من القوات الاميركية، فالجــــــــميع يعرف حـــــــــجم التعتيم المـــــفروض على خسائر هذه القوات، وظل الأمر في حدود التسريبات التي تحدثت عن عشرات الآلاف من القتلى وأضعاف أضعاف تلك الأرقام من الجرحى، وآلاف المعاقين من الذين تكون إصابتهم في الرأس، أي من المجانين، وبعد تلك الخلافات على أعدادهم، يبدأ الخلاف على أعـداد العراقيين، ولكن الحديث يدور حول أعداد القتلى لوحدهم، من دون التطرق الى عشرات آلاف من المعاقين، وعشرات الآلاف من المعتقلين من دون علم عوائلهم، وعشرات الآلاف من الذين اختفوا من دون العثور على أثر لهم.
هذه نقطة في لوحة الانجازات الحضارية الهائلة والرفاهية المطلقة التي جاء بها بوش وجماعته الى العراق.
* كاتب عراقي - مؤلف كتاب جدار بغداد