ألبير منصور *
ممارسة الحكم على هذه الشاكلة تكرس استمرار الهيمنة التي تركبت في مرحلة التسلط السوري، وإن كانت تميل الى التقليل من نفوذ الشيعية السياسية لتعزز نفوذ هيمنة السنية السياسية، التي تحولت، لسوء حظ لبنان، من محيط حاضن للعروبة والتوجهات الوطنية والقومية، الى طائفة كسائر الطوائف الأخرى. وهذه الهيمنة الطائفية تعزز إلغاء المشاركة وتتزايد يوماً بعد يوم لتتحول الى عقبة كبرى أمام إمكانية العودة الى تنفيذ اتفاق الطائف تنفيذاً سليماً وفق جوهره ونصوصه. كما وأنها تعيد تسعير الصراع الطائفي والمذهبي، ما يحول دون إمكان الانتقال الى محطة بناء الدولة وتحقيق الشرطين الأساسيين لذلك وهما نجاح محطة المشاركة في إلغاء الهيمنة ومن ثم الانتقال الى الإلغاء التدريجي للطائفية مواكبة لبناء الدولة ومؤسساتها. فمن يريد فعلاً، لا انتقاماً ولا انتقاءً، تنفيذ اتفاق الطائف وجب عليه رؤية عيوب مرحلة الحكم الراهنة المتمثلة بحكومة جماعة الرابع عشر من شباط أو آذار وتناقضها تركيباً وممارسة مع الاتفاق والدستور والتي يمكن تلخيصها بما يأتي:
ومعلوم أن مجموعة شيراك ومجموعة الحكم السعودي كانتا أصلاً ولمدة أربع عشرة سنة من أركان الوصاية السورية التي مورست على لبنان بقيادة عبد الحليم خدام وغازي كنعان، والتي انتقلت اعتباراً من سنة 2002 من الولاء انقياداً للحكم السوري الى الولاء انقياداً للحكم السعودي.
انها حكومة النهجين: نهج المقاومة ورفض الإذعان والاستسلام في مارون الراس وبنت جبيل والخيام... من جهة، ونهج الذل والإذعان والاستسلام في ثكنة مرجعيون ونهج التآمر في إعداد القرارين 1559 و1701 من جهة ثانية.
نهج الدولة القوية برفضها وبمقاومتها وبقواها الذاتية، ونهج الدولة الضعيفة المذعنة المستسلمة المتسترة بالتعقل والحكمة وعدم المغامرة...
إنها حكومة التحالف بين ثنائية سنية شيعية تشكل حكم هيمنة طائفية معكوسة لما كان عليه الوضع قبل اتفاق الطائف، حكومة تخالف بتركيبتها الطائفية الثنائية جوهر اتفاق الطائف الذي رسم حكم المشاركة بين سائر القوى السياسية الطائفية وأدان بصورة جازمة ونهائية جميع أشكال الهيمنة الطائفية. حكومة حلفاء «الوصايتين» لا تنتج حكومة استقلال بل تنتج واقع نزاع وتمزق قابلاً بصورة دائمة للتبعية والارتهان. حكومة تجاوز النهجين المتناقضين لا تنتج حكماً بل تنتج شللاً وفي أحسن الأحوال حكمين ودولتين.
حكومة الثنائية الطائفية لا تنتج حكماً وطنياً بل حكم هيمنة طائفية وحكم تفرد وتسلط، وفي أحسن الأحوال تنتج حكم مزارع وتوزيع منافع. حكومة الوصايتين والنهجين وحكومة هيمنة الثنائية الطائفية وحكومة الاستفراد بالحكم هذه، لا يمكن أن تستمر. لبنان لن يقوم بغير نهج استقلالي حقيقي، لبنان لن يقوم بنهج التبعية حتى ولو كان المتبوع بوش بعظمته. لبنان لن يقوم بغير نهج بناء دولة قوية سيدة عادلة. لبنان لن يقوم بغير نهج التوافق والمشاركة.
لبنان لن يقوم إلا إذا وعت جميع قواه السياسية شروط القيامة الحقيقية وهي التضامن والاتحاد والابتعاد عن نهج التبعية ونهج الإذعان ونهج الهيمنة الطائفية ونهج التفرد والاستئثار المذهبي ونهج الفساد والإفساد وعن جميع ما يمارسه أهل الحكم اليوم ومنذ الأمس غير القريب، واعتماد نهج الوفاق الوطني الشامل لبناء الدولة القوية بقوتها والعادلة بتأمين المشاركة بين جميع قواها الحقيقية والراعية لحقوق جميع مواطنيها. لمن يحتكرون السلطة ويستفردون بها أقول: إنكم تجنون على لبنان وعلى أنفسكم. تحتكرون وتستفردون بحكم لا يحمي ولن يدوم ولن تحققوا من خلاله إلا صراعات مدمرة لكم وللوطن وللدولة.
البديل الوحيد للصراع المديد المدمر المفتوح على أسوأ الاحتمالات والذي نحن مقبلون عليه هو المسار الآتي:
1 - رحيل هذه الحكومة: حكومة ثنائية الهيمنة الطائفية، حكومة التبعيتين، حكومة مخالفة صيغة العيش المشترك، حكومة مخالفة اتفاق الطائف تركيباً وممارسة.
2 - تأليف حكومة ائتلاف وطني شامل وفق قواعد التأليف التي وضعها اتفاق الطائف، حكومة تمارس الحكم وفق أصول اتفاق الطائف وتؤسس لإعادة تكوين سلطة استقلالية حقيقية عبر وضع قانون انتخاب عادل ومنصف وإجراء انتخابات مبكرة ونزيهة تجدد الطبقة السياسية وتفرز ممثلين حقيقيين للشعب اللبناني.
3 - ومن ثم تأليف حكومة وفاق وطني تأسيسية تعمل على بناء الدولة القوية العادلة القادرة على حماية لبنان وعلى تمكينه من بناء مستقبل أبنائه وتأدية دوره ورسالته في محيطه العربي.
(حلقة ثانية وأخيرة)
* وزير ونائب سابق - مفكر وكاتب