إلهام منصور *
يوم انتصرتم على العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، أهديتم النصر، أول مرة، الى كل اللبنانيين وكل الأمة العربية وكل العالم الاسلامي وكل الشرفاء في العالم من دون تمييز بين من يقبل الهدية ومن يرفضها.
اما في المرة الثانـية فكنتم أكـثر تحديداً وأهديتم النصر الى مـن لا حاجة الى اهــدائه له لأنه هو صاحب النصر ومشارك فـيه مباشرة او غير مباشرة، وهذا هو الموقف الصحيح .
النصر لا يهدى، كما قلت مرة، بل هو «ملك لمـــــــــــــــــن اقرّ بـــــــــــــه وشعر بــــــــالعزة». (مقالة سابقة).
لكن ما معنى الهدية ولماذا لا تقبل؟ الهدية هي أن أقدّم للآخر أفضل ما عندي أو ما أستطيع، معتقداً أنه سيقدّر قيمته ولو المعنوية.
لكن حين يكون افضل ما عندي وأفخر بــــــــه، هو أسوأ ما يتوقع الآخر وأخطره، فهنا تقع المشكلة وهي مشكلة ليست في الشكل بل في المضمون، بمعنى آخر، أن يكون انـــــــــــتصاري انكساراً للآخر، هي المــــــــــشكلة.
فالفريق اللبناني ومن وراءه من الفرقاء العرب والدوليين الذين كانوا ينتظرون هدية من طعم آخر، إذ إنهم كانوا يتوقعون هزيمة المقاومة ونزع سلاحها و... أتتهم هدية قائد المقاومة كأنـــــــــــها شماتة بهم وبتوقعاتهم ولو أن السيد لم يقصد ذلك.
لكنهم شعروا بها كأنها كذلك، لأن ما نشعر به يأتي من الداخل ووفقاً لتوقعاتنا، لا من الخارج.
ثم إن الهدية تعني أن يكون لدي شيء أهديه، وحين لا أملك شيئاً أتحايل كي آخذ، وهذا ما يسمّى في بلدنا «الشطارة» في السياسة.
فـــــــــــــــفي الحلف الربـــــــــــاعي، قبل الانتخابات النيابية الاخـــــــــــيرة، اهدى حزب الله قوته الانتخابية للقوى التي تـــــــــــــــحالف معها فجعل منها «الأكثرية» في المجلس النيابي.
وما إن نالت هذه الفئة ما تريده بـ«شطارتها» السياسية حتى انقلبت على من أهداها صفة الاكثرية وطعنته في الظهر، مستقوية عليه بعددية وهمية لا تعكس واقع الحال بل واقع المال.
اذن هـــــــــذه «الاكثرية» تـــــــملك شــــيئين: «الشطارة السياسية» والطعن في الظهر، وإن كان عليها أن تهدي، فليس امامها إلا أن تختار احد هذين الامرين.
فــــــــــــــــماذا ستختار هدية للعيد؟ «الشطارة» ما عادت تنطلي على احد حتى لو كان ساذجاً، لأن الأمور اصبحت واضــــــــــــحة والتحالفات بـــــــــــــــيّنة والــــــــــــنيات مقروءة، لقد فضحت الحرب الاخيرة على لبنان كل مستور حتى لو تفتن اصحابه في إخفائه.
امــــــــــا الطعن في الـــــــــــظهر، فهو وارد فــــــــــــــــي كل لحظة ومن جهات عديدة، تـــــــتكل كلها على صلابة حلفائها في الداخل ومرونتهم، ولهذا السبب يــــــــــــمكننا توقع أن تكون اليد التي ستحمل الخنجر، هذه المرة، متلبسة قفازات من حرير تحاك في العواصم العالمية التي كثرت زياراتها في المدة الاخيرة.
حين صلب المسيح فداءً عن كل البشر وطلب أن يشرب، ماذا قدموا له؟ قدموا له اسفنجة مبللة بالخل وإكليلاً من شوك.
فــــــــــــهل تعدّ «الأكثرية» للبنان الخلّ وإكليل الشوك؟ ربـــــــــما!!!... لكـــــــــــــن هل يلدغ المؤمن او العاقل من الجحر مرتين؟
* استاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية