أحمد أبو حسين *
يروي يوسي غولدشتاين، كاتب سيرة ليفي إشكول الرجل الثاني في إسرائيل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أنه كان رومانتيكياً، يحب النساء، وبعد وفاة زوجته، اليسشيبع، حزن كثيراً وراح يبكي ويندبها أمام كل من ذكر اسمها أمامه، وقد شارك عشيقاته في هذا الحزن وبكى في أحضانهن. ويذكُر غولدشتاين أن إشكول نسج علاقة مع موظفة في وزارة المال، تصغره أربعين سنة، أصبحت فيما بعد سكرتيرته الرئيسية إلى أن تركت العمل، وغادرت البلاد للعمل في نيويورك. وقد لحق بها إلى هناك وبقي عندها ستة أسابيع. ويقول كاتب السيرة إن إسرائيل كلها كانت تعرف حقيقة العلاقة بينهما على رغم أنه كان يحاول أن يخفيها، وطلب من داليا عدم ذكر اسمها عند مراسلتها له، ولم يعارض أن تكون لداليا علاقة خاصة بها خارج إطار العلاقة بينهما. وانفضح أمره آنئذ في إسرائيل لدرجة أنه أصبح موضع سخرية ونكات، وكان يقال: «إذا أردتم الاتصال بإشكول في أميركا فستجدوه عند ابنته دفورا أو في شقة داليا».. لا يوجد في هذه الحكاية أية جناية قانونية غير غيابه عن الوزارة لفترة طويلة (خيانة ثقة الجمهور أو لنسمّها خيانة الوظيفة). وشهدت إسرائيل حكايات وشائعات كثيرة عن لعبة المتعة والسلطة، منها أن موشية دايان كان زير نساء، وقد اعتبر بعض عشيقاته أن «مضاجعته» عري من أجل الوطن.. بقيت هذه العلاقات والفضائح الجنسية الصاخبة محصورة وشرعية داخل القبيلة، ولم يستأنف عليها أحد بحجة أنها مناقضة لأخلاق القيادة.. والقصص في الجيش كثيرة.. في هذه السنوات كانت حركة العمل التاريخية تصول وتجول، وكانت إسرائيل الأولى شبيهة إلى حد ما بدولة الحزب الواحد... كانت طاعة المجتمع الجديد للمؤسسة الحاكمة تكاد تكون مطلقة.. وكانت المرأة التي تتعرض للملاحقة الجنسية تستسلم لقدرها ولا تجرؤ على تقديم شكوى ضد أعضاء في قيادة أسست دولة.. وكم من فتاة تعرضن للاغتصاب والملاحقة إلا أن الوظيفة حالت دون تقديم شكاوى.
بعد عام 1967 «انفتحت» إسرائيل جنسياً، وراحت تبحث عن النشوة بعد نشوة النصر، وكثر الحديث عن الجنس في الثقافة الإسرائيلية، وأصبح الكاتب دان بن أموتس، صاحب أكثر الكتب مبيعاً في إسرائيل مثل «المضاجعات ليست كل شيء» و«رسائل نساء إلى دان بن أموتس عن مضاجعات ليست كل شيء» و«مضاجعات الطريق» وغيرها، وكلها عبارة عن كتاب يتكرر في كتب تتغيّر عناوينها.. عمّم دان بن أموتس خلالها لعبة اللغة العبرية الجديدة والانحراف والتلصص من خلال أوصاف صاخبة مثل مضاجعة «ثياب جندية» تخيّل خلالها أنه يضاجع «أمن إسرائيل».
كانت إسرائيل أيامها أكثر «علمانية» وأقل تأثراً بالتيارات الدينية.. كان الدين يُستعمل لأغراض وحدة القبيلة. أما اليوم فقد أصبحت منحرفة أكثر من انحرافات بن أموتس، وأصبحت «النساء الإسرائيليات» من دون تعميم أكثر ابتزازاً. لننظر مثلاً في حالة الرئيس الإسرائيلي كتساف، فقد طالبت إحداهن مبلغ نصف مليون دولار ثمن سكوتها. وتحولن إلى قوة مثلها مثل القوى التي تشكل مسرح السياسة في إسرائيل.
ومع احتدام الحراك الداخلي بين الأحزاب في إسرائيل حول كعكة السلطة، إضافة إلى تطور مفهوم «سيادة القانون» بعد استشراء فساد حكومة العمل عشية انقلاب بيغن عام 1977، والعولمة وتطور المجتمع الاستهلاكي، أصبحت «الفضائح الجنسية» تستعمل لإطاحة شخصيات وأحزاب سياسية مثل الفضيحة الجنسية لوزير الأمن يتسحاك مردخاي، وفضيحة «الكاسيت» الجنسية لنتنياهو أيام الصراع داخل الليكود مع دافيد ليفي. ومع تأزم المأزق الأخلاقي للنظام في إسرائيل، واستشراء الفساد لم يعد مجال للصمت عن جنايات من هذا النوع. فكثرت الشكاوى ووضعت المؤسسة القضائية في أزمة اتخاذ قرار لتقديم لوائح اتهام (دولة فصل السلطات). وفي استطلاع جديد لـ«تليسيكر» نشر يوم 20ـ10 في «معاريف» اعتقد 52% من العينة التي تمثّل البالغين في إسرائيل بأن على الرئيس الإسرائيلي «المغتصِب» حتى «تثبت براءته»، الاستقالة فوراً، وطالبت 39% من العينة باستقالته فوراً، فيما أجاب 23% منهم أنه يجب أن يتنحّى بخاطره. وقال مصدر في شرطة إسرائيل لصحيفة «غلوبس» الإسرائيلية يوم 18ـ10 إن الشرطة لديها عشر شهادات لنساء يتهمن السيد الرئيس بالملاحقة الجنسية حتى الاغتصاب في السنوات العشر الأخيرة، منذ كان كتساف وزيراً للمواصلات. لكنه شدّد على أن خمس شهادات على الأقل لا يسري عليها قانون التقادم.
الخيانة والفضائح الجنسية ولعبة الفراش لهؤلاء الرموز لها علاقة مباشرة بفساد السلطة.
إنها دولة فاسدة.
*كاتب فلسطيني