علوان أمين الدين *
في خضمّ الأحداث التي عصفت بلبنان، عقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة خاصة لبحث المستجدات الأمنية ــ مع بدء الحرب ــ أعلن بعدها أن الحكومة اللبنانية لا علاقة لها بهذه الحرب لكونها لم تعلم بها ولم تقرر خوضها ولكنها فُرضت عليها، وبذلك لا تتحمل المسؤولية ــ من الناحية القانونية ــ تجاه الأضرار التي حدثت أو التي ستنتج من تلك الحرب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل اعتراف الدولة اللبنانية بحزب الله قوةً عسكريةً مسلحةً يرفع عنها المسؤولية الداخلية ــ وخصوصاً تجاه المواطنين اللبنانيين ــ والدولية؟
إن القانون الدولي العام يتضمن قواعد اعتراف الدولة بحالة الثورة أو التمرد المسلح الذي يقع ضمن الدولة الواحدة نفسها عند قيام النزاع بين القوات الحكومية لهذه الدولة والثوار الذين غالباً ما يكون هدفهم هو الانفصال أو قلب نظام الحكم. ففي الأصل، تقوم الدولة بوضع كل إمكاناتها في قمع هذا التمرد وخصوصاً إذا ما قام المسلحون بالإضرار بمصالح حيوية. فإذا أَخمدت التمرد تحملت الدولة المسؤولية عن أعمالهم.
أما إذا عجزت الدولة عن قمع الحركة الثورية واستطاعت القوات الثورية من الاستيلاء على إقليم معين من الدولة، فإن الحكومة في هذه الحالة تقر بحالة التمرد وتعترف بها وذلك لتحقيق عدة أهداف، أهمها:
ــ «الأول يرمي إلى إخضاع الثوار الذين يقعون بين يديها لقوانين الحرب (أي معاملتهم كأسرى حرب لا كمجرمين أو خونة)، وإلى التخفيف من حدَّة القسوة التي تتسم بها الأعمال العسكرية عادةً بين القوات الثائرة والقوات الحكومية.
ــ والثاني يرمي إلى تجريد الحكومة القائمة من مسؤولية الأعمال الضارة التي يُنزلها الثائرون بالرعايا الأجانب أو بأموالهم».
ــ الثالث هو عدم تحمّل المسؤولية تجاه مواطنيها أو الأجانب في ما يخص التعويضات المالية ممّا يصيب أرواحهم أو ممتلكاتهم.
ولكن الحالة التي حدثت في لبنان تعتبر محض مختلفة. إن الحرب التي وقعت بين حزب الله و«إسرائيل» هي حرب دولية بكل ما للكلمة من معنى لكونها وقعت على إقليمين مختلفين يخضع كل منهما لسلطة غير الأخرى، وليست ضمن إقليم الدولة الواحدة أو السلطة الواحدة. ولذلك لا يمكن الدولة اللبنانية أن تتملص من مسؤوليتها الداخلية ــ بالأخص ــ أو الخارجية طبقاً لقواعد القانون الدولي العام وذلك لعدَّة أسباب:
أولاً: لا توجد سابقة دولية حتى الآن ــ على حد علمنا ــ تشابه هذا الوضع.
ثانياً: إن من مهمات الجيش اللبناني هو الدفاع عن الوطن ضد الاعتداءات الخارجية مهما كان مصدرها ولو بإمكانات محدودة، فهذا هو واجبه ودوره. وإن «إسرائيل» أعلنت أن هذا الاعتراف لا ينتج مفاعيله دولياً ولا يعفي الدولة اللينانية من مسؤوليتها ــ وهذا صحيح من ناحية القانون الدولي العام ــ والدليل على ذلك قيامها بقصف عدَّة قواعـــــــــد وثكنات ومراكز للجيش وفي أوقات زمنية مختلفة.
ثالثاً: إن البُنى التحتية للدولة شبه مدمرة وهو ما نستنتج منه أنه استهداف للدولة في شكل عام وليس للمقاومة، وخصوصاً استهدافها الجسور غير المهمة والمصانع والمعامل الإنتاجية في عدَّة مناطق من لبنان.
رابعاً: إن حزب الله هو حزب لبناني مرخص له وهو ممثل في البرلمان والحكومة وله قاعدة شعبية عريضة، وكذلك يحظى باعتراف حكومي يشمل وضعه الخاص كمقاومة من خلال قرارات مجالس الوزراء المتعاقبة في لبنان، وخاصة البيان الوزاري الأخير للحكومة الحالية الذي على أساسه دخل الحزب في الحكومة.
خامساً: قيام الدولة اللبنانية بدفع تعويضات مالية للمواطنين بعد انتهاء الحرب، وهذا ما يمكن تفسيره بأنه اعتراف ضمني واقعي بتحمُّل المسؤولية.
ولكننا نرى أن الحكومة أقدمت على هذه الخطوة رغبة منها ــ وفي تكتيك سياسي ــ في تقليص حجم الدمار والخسائر على مستوى الوطن، وتحييد المناطق الحيوية عن الاستهداف، ودفع التعويضات المالية للمتضررين بالحجم الذي يتناسب وخزانة الدولة لا على أساس التدمير الفعلي الحاصل.
* كاتب لبناني