وليد شرارة
في مقال هام نشر في ربيع العام الماضي في صحيفة هآرتس، نصح إفراييم هاليفي، رئيس الموساد الأسبق، الحكومة الاسرائيلية بالتعامل مع الولايات المتحدة باعتبارها لم تعد «قوة من وراء البحار» بل على أساس أنها «قوة شرق أوسطية»، فاحتلال مئة وأربعين ألف جندي أميركي للعراق ونوايا القوة الخارقة الأميركية (Hyperpuissance ) إعادة صياغة الشرق الأوسط حوّلا هذه الأخيرة من لاعب خارجي الى لاعب داخلي في هذه المنطقة من العالم. ومنذ أن أعلن حربه على «الارهاب»، كان الرئيس الأميركي جورج بوش قد أعلن أن على دول العالم أن تختار بين أن تقف في صف الولايات المتحدة أو في صف أعدائها. المعنيون الأوائل بهذه الدعوة هم دول الشرق الأوسط، المنطقة المتهمة بكونها منبع «الارهاب» والتي يجب إعادة صياغتها بسبب ذلك أولاً. التطورات التي تلت هذا الإعلان أثبتت أن الادارة الأميركية جمعت بين القول والفعل. فغزو أفغانستان والعراق، والحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين وحملة التهديد والوعيد التي تعرضت لها المملكة السعودية ومصر والتي دفعت بهذين البلدين الى المزيد من التماهي مع السياسة الأميركية أمثلة واضحة على ذلك. لا مجال للحياد عند القوة الخارقة الأميركية، وخاصة في الشرق الأوسط لأن «من ليس معنا فهو ضدنا» كما قال الرئيس بوش. هل يعرف الحياديون اللبنانيون، إن كانوا حياديين فعلاً، أنهم طبقاً لهذه القاعدة التي وضعها رئيس الولايات المتحدة سيُصنّفون ضمن أعداء هذا البلد؟
يتجاهل الحياديون اللبنانيون التاريخ عند مقاربتهم موضوع موقع لبنان من الصراع العربي ــ الاسرائيلي، كأن جنوب هذا البلد لم يتعرض لاحتلال دام اثنتين وعشرين سنة. أيام هذا الاحتلال، لم يتكرّم أغلبهم على المقاومة بالثناء أو بالدعم، بل كانوا يشككون بها، بسبب خلفياتها الدينية، ويعتبرون أنها تستغل نضالها ضد الاحتلال جاعلةً منه رافعة لتعزيز ما يسمونه «الدولة ضمن الدولة». وقبل التحرير بأيام، حذّر أحدهم، في صحيفة لوموند الفرنسية، من قيام المقاومة بعمليات تطهير طائفي على غرار تلك التي وقعت في إقليم كوسوفو وطالب بتدخل دولي لمنع ذلك. مقولة «كنا جميعاً مع المقاومة» لم تكن صحيحة في أي يوم من الأيام. القطاع الأوسع من جماهير الشعب اللبناني كان، وما زال، مع المقاومة. أما النخب الليبرالية «المستنيرة»، فهي كانت تخشى وتحذّر من أجندة داخلية للمقاومة لا وجود لها، حقيقةً، إلا في خيالها الواسع.
تنادي هذه النخب اليوم بضرورة تحييد لبنان في المواجهة الدائرة بين شعوب هذه المنطقة وبعض دولها من جهة، والغزاة الأميركيين والاسرائيليين من جهة أخرى. وهي ترى أن على لبنان، بدل الانحياز الى هذا الطرف أو ذاك، أن ينحاز الى «نفسه». المقاوم الذي يقاتل لتحرير أرض الوطن أو للدفاع عنها منحاز الى نفسه وأهله وشعبه، الى لبنان الفعلي. لأي لبنان هم منحازون؟