وليد شرارة
“كنا جالسين نستمع الى محاضرة يلقيها الأخ أبو حفص المصري رحمه الله عن الوضع في فلسطين مع بدء الانتفاضة الثانية. فوقف الأخ محمد عطا رحمه الله وسأل وقلبه تعتصره الحسرة عما عسانا أن نفعل لنصرة إخواننا في فلسطين. بقية القصة تعرفها أميركا وحلفاؤها وأعوانها”. انطلاقة الانتفاضة الثانية والموقف الأميركي الداعم بشكل غير مشروط لإسرائيل شكّلا محفّزاً إضافياً، حسب الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري، لكي يتخذ هذا التنظيم قرار توسيع دائرة معركته مع الولايات المتحدة، التي كان ميدانها قبل ذلك التاريخ السعودية واليمن (البارجة كول) وبعض دول القرن الأفريقي (الصومال، كينيا، تنزانيا)، لتشمل ضرب أهداف رمزية مهمة على الأراضي الأميركية. استهدف التنظيم ما يعتبره رموزاً للجبروت الأميركي: برجا التجارة العالمية اللذان يمثّلان الجبروت الاقتصادي الأميركي، البنتاغون وهو رمز الجبروت العسكري، والبيت الأبيض الذي لم تنجح الطائرة الثالثة في الوصول إليه، وهو مركز القرار السياسي الأمبراطوري. وقد شرح قادة هذا التنظيم، في مداخلاتهم المتلفزة بعد العمليات، هدف رسالة التحدي المدوية التي وجّهوها للولايات المتحدة. يعتقد هؤلاء بأن المخرج الوحيد من نظام السيطرة الذي تفرضه الولايات المتحدة على الفضاء العربي ــ الاسلامي من خلال وكلائها المحليين، الأنظمة العربية واسرائيل، يكمن في استدراج الأصيل، أي أميركا، للحلول مكان الوكيل والتدخل العسكري المباشر في هذا الفضاء والدخول في مواحهة مع شعوبه. في هذه النقطة بالذات، من الممكن القول إن “جدول أعمال” القاعدة تقاطع مع استراتيجيا المحافظين الجدد ولكن لتحقيق أهداف مختلفة ومتناقضة بطبيعة الحال. وعلى الأغلب، فإن “النموذج الأفغاني” كان حاضراً في أذهان قادة القاعدة عندما وضعوا مخططاتهم. فالاتحاد السوفياتي استدرج الى التدخل في أفغانستان باعتراف زبغنيو برجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق ومهندس هذا “الاستدراج”. فهو أقر أن الولايات المتحدة كثّفت دعمها للمجموعات الإسلامية الأفغانية لتصعّد هجماتها على الحكومة الأفغانية الشيوعية خلال عامي 1979-1978 لدفع السوفيات إلى التدخل وتوريطهم في “المستنقع الأفغاني”ً.
لقد بات معروفاً أن المحافظين الجدد وصلوا الى السلطة مع مشروع غايته توفير الشروط المناسبة ليكون القرن الحادي والعشرون “قرناً أميركياً جديداً”. من أبرز هذه الشروط ترسيخ السيطرة الأميركية على الفضاء العربي ــ الإسلامي عبر الخلاص من الأنظمة والتنظيمات “المارقة”، أي المعارضة لسبب أو لآخر للسياسة الأميركية أو المقاومة للاحتلال الاسرائيلي. كانت خطتهم الأولية تفترض أن يبدأوا بالعراق لكن عمليات الحادي عشر من أيلول فرضت عليهم البدء بأفغانستان ومن ثم شن الحرب على العراق. ولا شك في أن هذه العمليات قد أضافت دافعاً جديداً الى دوافع المحافظين الجدد الاستراتيجية والاقتصادية وهو الرغبة الجامحة والعشوائية في الانتقام من شعوب المنطقة وتلقينها درساً لن تنساه. أين بات المحافظون الجدد اليوم، وهم يعدّون العدّة للحرب على ايران، من تحقيق أهدافهم؟ لقد نجحوا في إسقاط نظام الطالبان في أفغانستان وفي تسليم هذا البلد الى زعماء الحرب مجدداً. لكن تحالف طالبان ــ القاعدة عاد ليبرز حركةً مقاومةً ذات شأن في هذا البلد من جهة، وأصبح نفوذ الدول الإقليمية، كإيران وروسيا وباكستان، في داخل أفغانستان يوازي، إن لم يكن يضاهي، النفوذ الأميركي. وفي العراق، نجحوا في إسقاط نظام صدام حسين لكنهم يُواجهون بمقاومة تزداد شراسة وفعالية مع الأيام. دعمهم اللامحدود لإسرائيل لم يسمح لها بالقضاء على حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية. والأهم والأخطر على المستوى الاستراتيجي بالنسبة إلى دولة مثل الولايات المتحدة هو أن شعوب المنطقة باتت تعتبر نفسها في حالة حرب مباشرة ومديدة معها وهذا انتصار للقاعدة لا ريب فيه.