إلهام منصور *
صمّت آذاننا خلال السنة الفائتة بمصطلحات جديدة قديمة، منها المحلية مثل الحرية والسيادة والاستقلال، ومنها المستوردة الآتية من الغرب ومن بوش ورايس على وجه التحديد وهي الديموقراطية التي لا يهنأ للثنائي المذكور عيش قبل إرساء قواعدها وقطف مفاعيلها في الشرق الأوسط الذي بها يصبح جديداً أو كبيراً أو...
بالنسبة للسيادة والاستقلال فحدّث ولا حرج، والأساطيل الأجنبية تغزو شواطئنا وجنود القوات الدولية المتعددة تكسو أراضينا ومرافئنا.
أما بالنسبة لمصطلحي الحرية والديموقراطية فشأنهما مختلف، هما متلازمان، ولشدة تلازمهما في ذهن من يريدون تطبيقهما قد يختزلان أحياناً بمصطلح واحد هو الديموقراطية، فماذا تعني لهم هذه الديموقراطية؟ لقد شرحوها لنا مراراً وتكراراً ولم نفهم منها شيئاً لأن كـــل شروحهم أتت كمن يفسر الماء، بعد الجهد، بالماء، إلى أن أتـــــــانا عبر شاشة التلفزيون درس تطبيقي لهذا المصطلح ففهمناه واقتنعنا به، إذ إنه أتى بيّناً وواضحاً حتى بالنسبة للسذّج في السياسة أمثال الكثيرين منّا، وهذا الدرس ألقي علينا ومورس أمامنا يوم زيارة السيد بلير الأخيرة إلى ربوعنا مدعواً لتشريفنا أو متكرماً بتشريفنا. لست أدري أيّهما هو الصحيح، وفي مطلق الأحوال إنه شرّّّف من زارهم ولم يشرّفنا.
زارهم السيد بلير ووطأ أرضنا على سجادة حمراء بعيداً عن صيحات المتظاهرين الرافضين لزيارته وغضبهم. لم تمنع الحكومة التظاهرة تلك لأنها تريد أن تظهر بالملموس ديموقراطيتها، فهي لا تقمع الصوت المختلف، الصوت الآخر. وهنا تتلاقى الحرية مع الديموقراطية لأنها بالفعل هي ممارسة حرية التعبير.
ولأن ديموقراطيتهم هي كالغسيل القذر الذي لا يجوز نشره أمام الغرباء، سمحوا للصوت الآخر بالتعبير عن رأيه في ساحة بعيدة مسيّجة برجال الأمن حفاظاً عليها ومنها، في ساحة بعيدة حتى لا تنزعج أذنا الزائر «الكريم» بالهتافات المنددة به وبدولته وبدوره المتواطئ مع العدو. أبعدت الحكومة التظاهرة عن مكان اجتماعها بالضيف، لكنها مكّنته من رؤيتها ربما لتقول له إنها تظاهرة مؤيّدة له وللدور الذي قام به أثناء العدوان على لبنان. ولا عجب في ذلك فهي حكومة قادرة على قلب كل المعايير شرط أن تبقى واقفة على قدميها، وهو شرط لا يتحقق، في عرفها، إلا بإرضاء أسيادها الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين و...
لكن الدرس التطبيقي للديموقراطية المميزة حدث داخل قاعة الاجتماعات وبصورة استعراضية لا تحتمل الالتباس، انتهت المداولات التي، حفاظاً على الديموقراطية، بقيت سرية ومغلقة على المواطن، خرج الرجلان، رئيس حكومتنا وضيفه بلير، ليعقدا مؤتمراً صحافياً وليأخذا الصورة التذكارية كي تظل محفورة في «الذاكرة الوطنية» وهي صورة، حتماً لا تنسى لأنها من الوقاحة بشكل لا تتصوره حتى المخيّلة السيئة النية.
المهم ،أنهما خرجا والارتياح باد على وجهيهما، وكنا، نحن، قبالة شاشة التلفزيون ننتظر. وهنا أرجو الانتباه، ومتابعة المشهد، لقد بدأ الدرس، باشر بلير الكلام، طبعاً بالانكليزية، وما هي إلا ثوان حتى وقفت سيدة، من المفروض أن تكون صحافية، تقدّمت إلى الأمام، أمام الضّيف والمضيف وفتحت، وسع ذراعيها، يافطة تندّد ببلير وتريه إحدى صور المجازر التي أوقعتها قنابل معلمه الذكية والتي كان هو الوسيط في إيصالها الى يد العدو.
طبعاً صمت بلير مندهشاً، أما رئيس حكومتنا فإنه تمنّى لو تنشقّ الأرض وتبتلعه. لكن، وبلمح البصر، انقضّ رجال الأمن على السيدة، نزعوا اليافطة من يديها وأخذوا يدفعونها بعنف خارج القاعة.
وما إن رأيناهم، في طرف الشاشة، يحملونها، وقبل أن يختفوا أنارت الكاميرا وجه رئيس حكومتنا وسمعناه يلقي الدرس الذي أتى كما يقول المثل الدارج «حفر وتنزيل» سمعناه يقول من دون أن يرف له جفن: إنها الديموقراطية!!. أتوقف هنا لأسال رئيس حـــكومتنا، بربّك ما هو الاستبداد؟
*استاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية