أمين محمد حطيط *
منذ عامين ونيف تقريباً`و اميركا بمشروعها التدميري تلاحق لبنان من بوابة مقاومته فجندت جماعات اكتمل حشدها بعد جريمة 14 شباط 2005 ، تحت شعار «السيادة و الاستقلال « و وتعمل واقعاً جاثية امام سيدها الاميركي الذي وعدها بالسلطة ، وتعهدت له بالتبعية لتنفيذ المشروع ، المنطلق من تغيير لبنان من عربي مقاوم الى غربي مرتهن ..و لان المقاومة في لبنان و سلاحها و ظهيرها العربي و الاسلامي هم العقبة فكان الهجوم المتعدد الخطط و الاساليب يتتابع رغم كل الاخفاقات و الهزائم التي تحل به ، الاخفاقات التي كان آخرها الهزيمة المدوية التي انزلتها المقاومة بالجيش الاسرائيلي الذي جاء الى لبنان بعلم يكاد يكون استدعاءً من جماعات التبعية الاميركية ، و طبعاً بقرار اميركي ، ودعم من بعض العرب ... و ما ان حلت الهزيمة باسرائيل في الميدان حتى هرعت الدبلوماسية الاميركية لانقاذها عبر المشروع الفرنسي \الاميركي لقرار في مجلس الامن يستبدل الوسيلة بقوات متعددة الجنسيات تعمل بتفويض من الامم المتحدة تحت الفصل السابع ، و بمهمة تنحصر بكلمة «نزع سلاح المقاومة (التي تراها اميركا ميليشيا ارهابية ) ثم ملاحقة المقاوميين و من يؤيدهم وصولاً الى لبنان «نظيف من الشرف المقاوم»...ما يمكن من القبض على الدولة بعد القبض على السلطة وتحويلها الى قاعدة عسكرية اميركية لتغيير الشرق الاوسط .. طبعاً و تكون من مهمة القوى المنتدبة تلك العمل على مراقبة لبنان في كل مداخله و عزله عن سوريا لان من غير هذا العزل لا يمكن ان تخنق المقاومة و تجتث ...
مشروع اعد بموافقة فؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية (كما قال بولتون مندوب اميركا في مجلس الامن) وهو يذكرنا طبعاً بطروحات «الاكثرية الشباطية « التي افرزتها جريمة 14شباط التي نادت ب:
- نزع سلاح المقاومة و اسقاط الازدواجية في حمل السلاح بين المقاومة و الدولة .
- اسقاط مشروعية المقاومة باعتبار ان القرار 425 قد نفذ و ان لا ارض للبنان محتلة لان مزارع شبعا بعرفهم ليست للسيادة اللبنانية .
- تلغيم الحدود مع سوريا ( لمنع تهريب السلاح الى حزب الله ) ما يجفف النبع و يسهل النزع لاحقاً .
- نشر قوات طوارئ دولية مع سوريا (لمساوة سوريا باسرائيل حيث تقيم القوات الدولية على الحدود معها منذ العام 1978) ومحاصرة حزب الله و نزع سلاحه لاحقاً.
- ارسال الجيش الى الجنوب ومنع العمل المقاوم عبره .
- وضع 25 الف جندي وضابط دولي في الجنوب و منع اي عمل عسكري ضد اسرائيل ( اي تعطيل المقاومة في مرحلة اولى ، للتمكن من القول بعدم جدوى السلاح في المرحلة الثانية فينزع لسقوط المبرر) .
طروحات لم تستطع» الجماعات الشباطية « تنفيذ اي منها فكان تسليمها لاسرائيل بالمهمة التي ترى فيها العلاج الاخير للمعضلة التي تواجهها في لبنان و لكن اسرائيل خذلت هذه الجماعات في الميدان ، فتبرعت سلطة الجماعات تلك بتسهيل مشروع القرار الذي ذكرناه ، و خيبت المقاومة في الميدان امال جماعات التبعية و موافقاتهم في الغرف السوداء المغلقة فعجزوا مع رئيس حكومتهم ان يمرروا المشروع الاميركي .. الذي كان يرمي و باختصار الى وضع حزب الله بمواجهة مباشرة مع «الشرعية الدولية» ما يسقط عنه اي شرعية و يجعله في النظر الدولي و قانونه العام ارهابياً ..
اذن سقط المشروع و ليس لان الضمير الدولي قد استفاق او لان «منتج جريمة 14شباط «استعاد وطنيته بل لان المقاومة سطرت في الميدان الخوارق و المعجزات العسكرية التي اخافت الاخرين و منعت اي دولة من التبرع بارسال جنودها الى ميدان لا يستطعيون الصمود فيه، و لان التطبيق او التنفيذ للقرار ان اعتمد كان مستحيلاً فان التعديل و التلطيف الى الحد الذي يجعل المقاومة تقبل به كان ضرورياً .. و كان القرار 1701 بصيغة غامضة مبهمة تحتمل التأويل و التفسير المتناقض و لكسب الوقت ..لكن المهم في القرار يبقى ما ورد في موضوع القوات الدولية و مهمتها التي ظلت تحت الفصل السادس ، وهنا نتوقف عند :
- (الفقرة 11) وجاء فيها «يسمح بزيادة قوة اليونيفل الى 15 الف جندي « لتتولى :
- « مراقبة وقف الاعمال العدائية … والوقف الكامل للنار…….»
- «مرافقة و دعم القوات اللبنانية خلال عملية انتشارها في الجنوب «.
- «مساعدة القوات المسلحة اللبنانية لانشاء المنطقة «(الجنوبية التي لا سلاح فيها الا الرسمي)
- «مد يد المساعدة لوصول المساعدات الانسانية ...و العودة الطوعية و الامنة للنازحين».
- (الفقرة 14) حيث ورد «مساعدة حكومة لبنان عند طلبها»..لمنع دخول اسلحة و مواد ذات صلة ،الى لبنان دون موافقتها «في معرض ضمان حدودها و نقاط الدخول « الى لبنان .
اي ان المهمة التي اوكلت الى اليونيفل بعد تعزيزها تنحصر من حيث المكان في الجنوب ، و من حيث النشاط بمراقبة وقف الاعمال العدائية ، و مساعدة القوات المسلحة في ما تطلب في الجنوب ، اي انها لا تقوم باي عمل عسكري (باستثناء الدفاع عن النفس ) الا من خلال المهمة التي كلف بها للجيش اللبناني دون ان تتجاوزه، اما خارج الجنوب فليس لها اي دور سواء في ذلك في البر او البحر او الجو ، الا اذا ارتأت الحكومة اللبنانية ان تطلب مساعدتها فــي مـــــسألة مراقبة دخــــول اســــلحة الى لبنان ...
وهنا نأتي الى مسألة المساعدة تلك و من يحدد الحاجة اليها لتطلبها الحكومة ..
و يكون من البديهي ان نقول ان الجيش اللبناني هو المؤسسة الوطنية ذات الصلاحية بحماية الحدود و الدفاع عنها بموجب قانون الدفاع ، و ان مسألة مراقبة الحدود هي مسؤوليته و تقع في صلاحياته ، اما قوى الامن داخلي او الامن العام او حتى الجمارك فانها ذات صلاحيات محددة حصراً وفقاً لانظمتها ، فان عجزت عن ذلك كان الجيش ايضاً هو الجهة الصالحة للمؤازرة (بمقتضى المادة 4 من قانون الدفاع ) بمعنى ان الجهة الاخيرة التي تقول « اقدر او لا اقدر» على ضبط الحدود هي الجيش اللبناني .. و قائده هو الذي يحدد حجم المساعدة التي قد تطلبها الحكومة و ليس احد سواه .. فالقرار الدولي يحصر المسؤولية في المهمة بالجيش ، ومهمة اليونيفل هي مساعدة للجيش وفقاً لما يطلب .
اما ما يجري اليوم او ما يتداول من سلوكيات تقوم بها حكومة مفرزات 14 شباط فانه امر يثير الريبة لانه يتجاوز القرار الدولي و يتخطى الاصول العسكرية والقانونية ما يشير الى رغبة او محاولة لاعادة التطبيق االواقعي لمشروع القرار الاميركي، وهنا نسأل:
1. هل سئل قائد الجيش عن حجم القوة الدولية التي يريدها لمساعدة الجيش في الجنوب ؟ خاصة و ان 15 الف عنصراً يضافون الى 15 الف لبناني يشكل جيشاً قائماً بذاته تضيق عنه منطقة الانتشار في الجنوب و على سبيل التذكير نقول ان اتفاقية الهدنة سمحت للبنان ب 1500 عنصراً للانتشار في المنطقة التي سينتشر فيها 30 الف ( اي 20 مرة اكثر ..) فهل هذا معقول ؟ و اذا تذكرنا ان القوة الدولية لن تحرك ساكناً ضد اسرائيل مهما ارتكبت من انتهاكات للبنان فاننا نطرح السؤال من اجل ماذا اذن هذا الحجم من القوى العسكرية في الجنوب ؟
2. هذا في الجنوب اما في البحر فنقول هل سئل قائد الجيش عن حاجته للمساعدة في البحر حتى يستقدم هذا الحشد من الاساطيل ؟ علماً اننا لم نسمع يوماً بان حزب الله كان يستقدم سلاحه عبر البحر .. و لنتذكر ان اسرائيل فرضت حصاراً محكماً على لبنان بعد 14آب 2006 باستعمال خمس قطع بحرية يشغلها 800 عنصراً في الحد الاقصى؟ و لماذا اذن هذه القوى البحرية الاطلسية و التي يبدو انها قدد تصل الى 40 الفاً من العسكريين ؟
(حلقة ثانية وأخيرة غداً)
*عميد ركن قائد كلية القيادة وأركان سابقاً