ماجد عزام *
لم يعد الجدل في اسرائيل يتركز على الانتصار أو الهزيمة في حرب لبنان الثانية. ثمة شعور وقناعة عامة بالهزيمة وبحث أو جدال حول من المسؤول أو المسؤولين الرئيسيين الذين يجب أن يتحملوا المسؤولية عن تلك الهزيمة. يفترض أن يتحمل الحزب الحاكم أو الحزب الأكبر في الائتلاف وزعيم هذا الحزب النصيب الأوفر من المسؤولية عن الهزيمة وهذا بالضبط ما يجري الآن في اسرائيل حيث تُوجّه الاتهامات إلى حزب كديما ــ وبدرجة أقل حزب العمل ــ وزعيمه إيهود أولمرت بالإدارة الخاطئة والسيئة للحرب، وبالتالي ضرورة استخلاص العبر وإجراء الحزب مراجعة عامة لا بد من أن تتمخض في النهاية عن الاستقالة حسب ما يقول منتقدو ومعارضو أولمرت. لا شك في أن حزب كديما هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب التي فقد فيها طريقه أو خطه أو مبرر وجوده السياسي أي خطة الانطواء ومبرر وجوده الاقتصادي الاجتماعي بتحويل اسرائيل إلى دولة «يطيب العيش فيها» حسب تعبير إيهود أولمرت الشهير، وذلك عبر الاستمرار في النهج الاقتصادي الليبرالي مع تخصيص موازنات معتبرة لتقليص الفجوات الاجتماعية ومساعدة الشرائح الضعيفة: الأطفال والمسنون، فجاءت حرب لبنان وتداعياتها لتوجه ضربة قاصمة إلى الأمرين معاً، فسياسياً اضطر زعيم الحزب إيهود أولمرت إلى سحب خطة الانطواء من التداول بعدما أثبتت حرب لبنان الثانية كما الحرب في غزة التي لم تتوقف يوماً واحداً بعد الانسحاب الأحادي الاسرائيلي من هناك، أن مسوغات وحيثيات الانطواء كما الخطوات والسياسات الأحادية قد أثارت في ظل الرفض الفلسطيني واللبناني لتلك السياسات وترجمة هذا الرفض عبر أداء مقاوم يثبت أن الانسحاب والسياسات الأحادية ليست سوى هروب من جوهر المشكلة ونوع من تأجيل الصراع لا حلّه. حكومة بلا مشروع سياسي هي حكومة لا مستقبل لها. الأمر نفسه يصح طبعاً على الأحزاب. حزب بلا مشروع سياسي هو حزب لا مستقبل له وخاصة بعدما حوّل هذا الحزب اسرائيل عبر مغامرة الحرب المجنونة إلى دولة يطيب التهرب منها بدلاً من دولة يطيب العيش فيها. فحرب لبنان أثقلت كاهل الموازنة الاسرائيلية وأضافت أعباء جديدة على الاقتصاد الاسرائيلي ناهيك عن هروب رؤوس الأموال والاستثمارات ما جعل كل الخطوات الاصلاحية الاقتصادية بلا فائدة وأفقد الحكومة مبرر وجودها الآخر وهو الحد من الاحتقانات والفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الفئات والشرائح المختلفة ومصالحة هذه بعضها مع بعض بعدما يتم التخلص من جزء كبير من أعباء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. خسائر وأضرار كديما لم تقف فقط عند المعطيات السابقة. فقد بدا الحزب وكأنه يفقد قادته ورموزه واحداً وراء الآخر نتيجة ملاحقات قضائية متعددة الأسباب والخلفيات، فحاييم رامون مثلاً، الوزير البارز والمقرب من أولمرت وأحد أهم قادة الحزب، اضطر للاستقالة والتفرغ للمحاكمة بتهمة التحرش الجنسي بإحدى الموظفات في مجلس الوزراء فترة الحرب. وتساحي هنغبي أحد قادة الحزب المهمين الآخرين اضطر لرفع الحصانة عن نفسه بتهمة تعيينات سياسية وحزبية منذ تولي وزارة البيئة منذ عدة سنوات. الأمر نفسه ينتظر وزير المالية أبراهام هيرشزون ورئيس الائتلاف في الكنيست أفيغدور يتسحاقي. الشعور بأن كديما بات أشبه بسفينة غارقة دفع وزير المواصلات أحد أركان كديما شاؤول موفاز إلى الانضمام إلى بقية المعتصمين المطالبين بتأليف لجنة تحقيق رسمية في حرب لبنان بعد استقالة قائد المنطقة الشمالية لجيش الاحتلال الجنرال عودي آدام. ستكبر كرة الثلج وستتزايد الضغوط لاستقالة زعيم كديما إيهود أولمرت أو على الأقل الانصياع لمطلب تأليف لجنة تحقيق رسمية الأمر الذي سيؤدي حسب معظم التوقعات إلى إجباره على الاستقالة ما سيوجه ضربة قاصمة لكديما في ظل افتقاد الحزب لمؤسسات وأطر حزبية يمكن أن تأخذ على عاتقها اختيار خليفة لرئيس الوزراء أو على الأقل تحديد السياسات والخطوط العريضة للحزب في ظل انهيار مشاريعه وخططه السياسية وغير السياسية. خاض حزب كديما الانتخابات الأخيرة ونال ثقة الاسرائيليين على خلفية خطة الانطواء التي ستريحهم من أعباء الاحتلال وتحمي تكوين اسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية، وإذا بالحزب نفسه يتحول إلى عبء وخطر على الديموقراطية وبات هو نفسه مهدداً بالانطواء والغياب عن الساحة السياسية والحزبية كعدد من أحزاب الوسط ــ بالمفهوم والمنظور الاسرائيلي ــ التي حققت نجاحاً انتخابياً بارزاً في إحدى الدورات الانتخابية ثم سرعان ما انقرضت وأفلت شمسها وغابت عن الدورة الانتخابية التالية.
*مدير مركز شرق الأوسط للصحافة والإعلام