يحيى أبو زكريّا*
أظهرت دراسة أميركيّة استشرافيّة خاصة أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأميركية أنّ تصاعد حدّة التوتر بين أميركا وأوروبا قد يؤدّي على المدى المتوسط الى انهيار التحالف بين أميركا وأوروبا وقد يكون عام 2015 هو عام الطلاق الكامل بين أميركا وأوروبا.

وهذه الدراسة الاستشرافيّة لا تتعلّق باستشراف العلاقات الأميركيّة ــ الأوروبيّة فقط بل تتطرّق الى دور أميركا في العالم ومصير النظام العالمي الجديد ذي الصيّاغة الأميركيّة، وتطرّقت الدراسة الى مستقبل الحركات الاسلاميّة في الشرق الأوسط والعالم العربي، وجاء في الدراسة أنّ هذه الحركات ستعمّر أكثر ممّا ينبغي وسوف يتواصل وجودها السياسي وحضورها في أغلب الساحات العربيّة والاسلاميّة أقلّه الى عام 2015 باعتبار أنّ هذه الدراسة تستشرف الغد السياسي الأميركي الى عام 2015.
وقد بدأت أصوات أوروبيّة رسميّة وغير رسميّة تتحدّث عن لاعقلانيّة السياسة الأميركية في بعدها السياسي والاقتصادي وانعكاس هذه السيّاسة على العلاقات الدوليّة والنسيج الاقتصادي العالمي، وقد جاء رفع أميركا ضريبتها على الصلب والفولاذ المصدّر الى أميركا من الدول الأوروبيّة وغيرها ليفجّر تصريحات ومواقف أوروبيّة ضدّ المواقف الأميركيّة. وبدأ بعض الكتّاب في أوروبا الشماليّة كما وسط أوروبا وجنوبها يتحدثون عن قلقهم من ارادة واشنطن لاستيعاب الساحة الكونيّة لمصلحتها وعدم سماعها حتى لحلفائها الأوروبيين، وتفردّها المطلق في صناعة القرار العالمي وتجاوزها المؤسسّات الدوليّة، وللإشارة فإن بعض الصحف البريطانيّة شنّت حملة اعلاميّة كبيرة على رئـــــيس الــــــوزراء توني بلير الذي اعتبرته بعض الصحف أنّه حامل الحقـــــيبة الأميركيّة الصــــغــــير.
ويرى المراقبون في أكثر من عاصمة غربيّة أنّ هذه المقالات والآراء التي بدأت تنتشر في الصحف الأوروبيّة هي مقدمة لانشقاقات كبيرة في جدار العلاقات الأميركيّة ــ الأوروبيّة، وتذهب بعض الآراء في بعض العواصم الغربيّة الى القول بأنّ أميركا قد لا تسمح بأن تمضي أوروبا الموحّدة اقتصاديّاً قدماً في تقدمها وتكامل مشروعها السياسي، لأنّ ذلك قد يجعلها أهمّ منافس سياسي لأميركا مع بعض الكتل المرشحة للصعود كالصين واليابان والعالم الاسلامي كما أشار يوماً ريتشارد نيكسون في كتابه المعروف أميركا والفرصة التاريخيّة.
وبعض المفكّرين المحسوبين على خطّ اليسار في الغرب يرون أنّ أميركا مثلما ساهمت في قيام أوروبا بعد الحرب الكونيّة الثانية لمواجهة الأمبراطوريّة السوفياتيّة الحمراء، وفي إقحام أوروبا في معادلة حربها ضدّ السوفيات سابقاً، قد تتخلّى عن تحالفها مع أوروبا اذا تحولت الكتلة الأوروبيّة من كتلة تابعة الى كتلة منافسة وفاعلة. وهذا ما بدأ يتنبّأ به بعض المفـــــكرين الغربيين، كما الدراسة الاستشرافيّة التي أشرفت على وضعها وكالة الاستخبارات الأميركية.
وللإشارة فإنّ التخوّف الأوروبي من أميركا ليس نابعاً من أدائها السياسي والاقتصادي بل من ذوبان ثقافتها وخصوصياتها الفكريّة والثقافيّة كما عبّر عن ذلك العديد من المحافل والمؤسسّات الثقافيّة، وخصوصاً في ظلّ سيطرة الفيلم الأميركي والأغنية الأميركية والإيقاع الحياتي الأميركي على مجمل وسائل الإعلام الغربيّة، ومثلما يتحدّث العرب والمسلمون عن غزو ثقافي أميركي ــ أوروبي لمواقعهم الجغــــــــرافـــــــيّة، يتحدث الأوروبيون عن غزو ثقافي أميركي قد يلغــــي شخصيتهم الــــــثقـــــافيّة عــــلى المدى المـــــتـــــــوسّط، وكل هذه الرؤى والآراء قد تمهّد لإقامة جدار برلين مجدداً لكن ليس بين الألمانيتين وإنما بين أميركا وحليفتها أوروبا.
ومثلما لا يوجد حوار بين أوروبا والعالم العربي والاسلامي، ويتعامل الغرب مع العرب والمسلمين من منطلق تعليمهم واستتباعهم، كذلك تتعامل أميركا مع أوروبا من منطلق تعليمها واستتباعها وهو ما يخلق إشكالاً بين أوروبا التي تدّعي أنّ حضارتها أصيلة وعريقة وأميركا التي قامت حضارتها على قتل الهنود الحمر وتقطيع أوصالهم!
* كاتب عربي - السويد