حبيب فياض
دخلت الترويكا الأوروبية في مفاوضات مباشرة مع إيران عام 2003 نيابة عن المجتمع الدولي، بهدف الوصول الى حل سلمي لأزمة الملف النووي الإيراني، وذلك على أساس الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم مقابل تقديم هذه الأخيرة ضمانات وتطمينات للمجتمع الدولي بأنها ليست بصدد الاستفادة من التقنية النووية لأهداف غير سلمية.
وبعد عامين من المفاوضات التي علّقت طهران خلالها تخصيب اليورانيوم طواعية، انتهى موقف دول الترويكا الأوروبية بنحو مناقض للموقف الذي شكل منطلقاً للمفاوضات، بحيث طالبت هذه الدول طهران وقف التخصيب مقابل إعطائها تطمينات ومغريات، وبذلك خرج الموقف الأوروبي عن كونه وسيطاً الى كونه متبنّياً للرواية الأميركية، وذلك على رغم تقديم طهران ضمانات جدية، كان أبرزها توقيعها على البروتوكول الاضافي وسماحها للمفتشين الدوليين بمراقبة منشآتها النووية على مدار الساعة. هذا فضلاً عن استعدادها لاتخاذ المزيد من الإجراءات لطمأنة المجتمع الدولي.
ومع توقف الحوار الايراني ــ الاوروبي في شهر آب من العام الماضي، انصرفت ايران الى العمل على تحويل اليورانيوم ثم تخصيبه، فيما بقي الموقف الأوروبي طوال هذه الفترة أسير الرؤية الأميركية القائمة على التهويل والسعي الى فرض عقوبات على طهران، الى ان جاء الرد الايراني في الثاني والعشرين من الشهر الماضي على رزمة من الحوافز التي كانت قد قدمتها الدول الغربية لطهران بهدف دفعها للتخلي عن أنشطتها النووية. وشكل هذا الرد مدخلاً إلى بروز مؤشرات توحي أن الاتحاد الأوروبي بدأ يأخذ منحىً متمايزاً عن المسار الأميركي، وكان آخرها إعلان الرئيس الفرنسي أخيراً بأن ثمة إمكانية لاستمرار المفاوضات مع طهران من دون التمسك بشرط التخصيب، علماً ان هذا الشرط بات لازمة لا تفارق أدبيات الدبلوماسية ودوائر القرار الأميركية.
وعلى رغم عدم وجود رؤية موحدة لدى دول الاتحاد الأوروبي إزاء التعامل مع أزمة إيران النووية، فإن الموقف الفرنسي يبقى أساسياً ويشير إلى طبيعة التعاطي الأوروبي، مستقبلاً، مع هذه الأزمة.
وسياق الوقائع يضعنا أمام حقيقة أن أوروبا تحاول اتباع سياسة أقل تصعيداً وأقرب الى التوازن في تعاملها مع ملف ايران النووي في كل مرة تجد فيها فرصة للتفلّت من الضغوط الأميركية الهادفة دوماً الى التحكم بوجهة الرؤية الاوروبية لإيران.
لقد ذهبت أوروبا الى التفاوض مع طهران مجدداً، على خلفية ردها على رزمة الحوافز، من دون التمسك بتعليق التخصيب شرطاً لاستئناف المفاوضات. ولقد تحدث مفوض الخارجية والأمن عن أجواء ايجابية وبنّاءة خيمت على هذه المفاوضات، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي الى إظهار تفاؤله والحديث عن ضرورة الوصول الى حل عبر الخطوات الدبلوماسية. هذا في وقت كانت تتحدث فيه وزيرة الخارجية الاميركية عن اهتزاز صدقية المجتمع الدولي ما لم يبادر مجلس الأمن الى اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد إيران.
من الواضح أن الموقف الأوروبي إزاء الأزمة النووية الايرانية محكوم بالتردد بين المصالح الاوروبية التي تدفع في اتجاه الحوار والتفاهم مع طهران، والضغوط الاميركية الرامية الى التصعيد والتأزيم... لكن، مهما يكن، يبدو ان الاوروبيين لن يستطيعوا تجاهل الاجابة الشفافة عن سؤال: ماذا ستخسر أوروبا إذا امتلكت ايران دورة الوقود النووي... وماذا ستربح أوروبا إن فرضت عقوبات على ايران؟ وخاصة ان دول الاتحاد الاوروبي تعلم بأن طهران لا تشكل خصماً جدياً لها، وبأن ثمة إمكانية لإقامة علاقات مستقرة ومتوازية بينهما، بخلاف ما هي عليه العلاقات الاميركية ـ الايرانية القائمة على خصومة وعداوة حقيقية منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الايرانية.