بيسان طي
مرّ شهر وأكثر على وقف إطلاق النار، وعلى انتصار المقاومة اللبنانية على العدوان الاسرائيلي. شهر لم تهدأ خلاله العاصفة الهوجاء التي يطلقها الحالمون أبداً بهزيمة جديدة أمام إسرائيل. لكن أزيز أصواتهم الذي يؤرق المنتصرين يجب ألا يحول دون قراءة أبعاد الانتصار.
الانتصار الذي حققته المقاومة الاسلامية على اسرائيل ليس محل شك، لأن الاسرائيليين أنفسهم اعترفوا به، فكيف لتجار السياسة في لبنان أن يعطوا حكماً صحيحاً في أمور عسكرية ووطنية وأخلاقية؟
إنه انتصار للبنان في وجه اسرائيل.
إنه حلقة خارج مسلسل الهزائم العربية أمام إسرائيل.
إنه الدرس الأول في منهج تربوي سيكتب فيه ــ عكس ما حفظنا ــ أن اسرائيل يُمكن أن تُهزم.
إنه إحراج للأنظمة العربية التي دانت حزب الله لتقدم غطاءً للعدوان الاسرائيلي.
لكنه أيضاً انتصار لمقاومة في وجه ما تريده الحكومة الأميركية للمنطقة، أي إنه في جزء منه انتصار لقوى ترفض الهيمنة الأميركية على العالم. وانطلاقاً من ذلك يشكل هذا الانتصار فرصة حقيقية وجدية للتفكير في خيارات سياسية ودفاعية جديدة.
ففي هذا العالم تيار يتنامى، له أدبياته وإيديولوجيته، يحضن أحزاباً ومجموعات لا تتفق على كل شيء، لكنها متفقة على أن “عالماً آخر ممكن” وأن النيوليبرالية ليست خلاصاً لشعوب العالم، وأن العولمة يجب أن تكون إنسانية أولاً.
هذا تيار يشبه “أهل المقاومة” وكل المؤمنين بها في الأمة العربية، معركته هي معركتهم أيضاً. فلسطين والعراق مسيطران دائماً على همومه وعناوين نضالاته ومؤتمراته وورشاته.
منذ ولادة التيار المناهض للعولمة في مدينة سياتل الأميركية عام 1999 سُجل غياب شبه تام للعرب عنه، على رغم أن قضاياهم تصدّرت همومه. ولهذا الغياب تفسيرات معروفة ولكنه غير مبرر. يغيب العرب لأنهم قطعوا علاقاتهم بالعالم الخارجي، تسيطر عليهم مجموعة “من الخونة الذين يأتمرون من الولايات المتحدة” أو تيارات أصولية تحدد العالم الخارجي بالغرب وتوجّب علينا سحقه لأنه لا يشبهنا.
لكن انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان على اسرائيل هو فرصة لإعادة النظر في وضعنا في المنطقة والعالم.
في إطار الانتماء إلى التيار المناهض للعولمة أو بالأحرى من خلال زيادة الانخراط في نضاله العالمي يمكن ملاقاة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. وفي إطار هذا الانتماء يمكن فهم التحولات التي تعيشها بوليفيا وتشيلي وحتى المكسيك، والتي عاشتها البرازيل.
إنه وقت للبحث في دفاتر الماضي عن تجربة ناجحة في الانفتاح على العالم. وهي تجربة جمال عبد الناصر الذي بحث عن شركاء عالميين ينتمون مثله إلى حركات التحرر. لم تعد مصر معه معزولة عن العالم ولا غلبت عليها التيارات المتطرفة، تغيرت معه صورة الأمة العربية ومكانتها في العالم.
مسؤوليات أصحاب مشروع المقاومة كثيرة جداً، وقد زادت بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان. فالانتصار الأخير الذي حققته المقاومة الاسلامية في لبنان هو بداية مرحلة جديدة لا لمواجهة الوضع الداخلي اللبناني ومعالجته فقط وإنما للبحث عن الشركاء الحقيقيين في العالم. هم موجودون وتكفي نظرة معمقة إلى كل المشهد العالمي لتُلفت إلى أهميتهم، فإلى جانب القوة المسيطرة التي تستخدمنا إرضاء لمصالحها، هناك قوة أخرى لم تعد في الظل منذ سنوات. بعضنا يشارك في نضالاتها لكن انخراطنا في نضالاتها سيزيدها ويزيدنا قوة.