عبد الرحيم ملحس *
تختلف الآراء على معنى النصر ومقاييسه، في محاولات معرفة المنتصر الأخير في هذه المواجهة بين حزب الله واسرائيل.
معظم هذه الآراء تقيس النصر على ميزان غالب ومغلوب في الميدان العسكري.. وليس هذا غريباً والمعركة العسكرية ما زالت دائرة، وكل الانتباه مشدود إليها.
غير ان المعركة العسكرية في هذه المواجهة، على أهميتها، ما هي إلا عنصر واحد من عناصر المواجهة الشاملة، إذ ان هناك معركة سياسية تؤثر في تحديد النصر والمنتصر النهائي، وإن هناك معركة إرادات خفية تسكن خلف المعركتين، لا تظهر كثيراً على مسرح المواجهة، لكنها لا تقل أهمية عن بقية عناصرها في صنع النصر النهائي وتحديده.
ضخامة تدمير المنشآت والبنى التحتية، وكثافة قتل المقاومين أو الأبرياء، واحتلال أجزاء كبيرة من الأرض، وإثبات الفرق الهائل في القوى العسكرية والسياسية، وإسناد الأصدقاء الأقوياء... جميعها لا تصنع نصراً. حتى تحقيق الأهداف المرسومة لا يصنع نصراً، إن لم يكن ممكناً الحفاظ عليها.
ومن جهة أخرى، الصمود أمام جيش قوي، وتحطيم البوارج والدبابات، وكثافة الصواريخ على الأعداء، والإيمان الثابت بالحقوق والحق، وتخريب اقتصاد الأعداء... جميعها لا تصنع نصراً.
الشيء الوحيد الذي يصنع نصراً حقيقياً، في نهاية المطاف، هو إقناع أو اقتناع العدو بأنه انهزم الى درجة تمحو من إيمانه جدوى تكرار المحاولة. فمن هو، على هذا المقياس، أقرب الى النصر؟
أعتقد بأن تفكيراً جديداً في جدوى الوصول الى الأهداف بالقوة العسكرية، لا بد من أنه قد بدأ يتكون عند مواطني الكيان الصهيوني، إذ معظمه يقف إلى جانب عدم جدواها. هذه الحرب بيّنت للعدو حدود القوة، ومقدار الضعف فيه، وخاصة بعد انتشار التكنولوجيا الصاروخية ووصولها الى أيادي قوى الرفض. لقد تبين لمواطني هذا الكيان ان الكلفة المادية، والبشرية، والنفسية لأي حرب مقبلة، وفق معطيات الرفض الجديدة الناهضة في العالم العربي، ستكون أعلى بكثير من الكسب الناتج من أهداف تحققها حرب جديدة. فشعب هذا الكيان مرفّه لا يستطيع التخلي عن مستوى معيشته، كما أنه ليس معتاداً على حروب تخلف عنده قتلى وجرحى ودماراً وخوفاً يحيي الملاجئ، ويبعث هجرة معاكسة. أعتقد بأن تكرار المحاولة للقضاء على قوة الرفض والمقاومة العربية الجديدة، قد انمحى من إيمان مواطني هذا الكيان. هذه الحرب أظهرت له الصورة التي ستكون عليها أحواله في المواجهات المقبلة.
لكن، هل يكرر حزب الله المحاولة اذا خسر في أي ميدان؟ هل انمحى من إيمانه لزوم تكرار المحاولة؟ وهل تدخل في قرارات تكرار المحاولة عنده حسابات الربح والخسارة كما عند عدوه، أو ان ميزانه مبدئي، قيمي، مختلف لا يخضع كثيراً لحسابات الخسارة المادية؟ قد يعتقد البعض بأن هذا نوع من الجنون في المواجهات بين ضعيف وقوي، لكنه في النهاية، مهما سميناه، قادر على إقناع العدو بأنه في هذا الوضع لن يربح أو ينتصر، وأنه، إن انتصر، لا يستطيع الحفاظ على مكاسب نصره.
حزب الله انتصر بامتياز. فقد بعث ثقافة انهزامية عند الكيان الصهيوني، وشكك بالثقافة الانهزامية عند العرب والمسلمين، وهو يبعث ثقافة الأمل بالنصر، وثقافة المبادئ عندهم. الاسرائيليون سيتردّدون في المرة المقبلة، وقوى الرفض ستقدم في المرة المقبلة. حزب الله انتصر قبل إعلان النتيجة، فقد بعث عند العرب إيماناً جديداً بأنهم قادرون... بعث ثقافة المبادئ وثقافة الايمان بالنفس التي غرقت لمدة طويلة في مستنقع اليأس والخنوع العربي. مهما كانت نتيجة المواجهه الكلية، فنفسياتنا الآن في صعود، ونفسياتهم في هبوط... بل كل شيء عندنا في صعود، وكل شيء عندهم في هبوط.
* عضو في مجلس النواب الأردني