يحيى أبو زكريا *
من الملفات المفتوحة والساخنة في الغرب ملف الاسلام وعلاقته بالغرب ومستقبله وديناميكيته الماضية والراهنة والمستقبليّة. خمسة اتجاهات أو مدارس تضطلع بعملية تشريح الاسلام لتحقيق أهداف قريبة المدى ومتوسطة المدى وبعيدة المدى، وهذه المدارس هي المدرسة الأمنية الملتصقة بدوائر الأمن القومي ومكافحة الارهاب، وتقوم هذه المدرسة بتشريح كامل ودقيق للحركات الاسلامية وتحديداً تلك التي لها قواعد في الغرب. وتتعاون الأجهزة الأمنية الغربية في ما بينها لرصد تحركات الأشخاص المشتبه بانتمائهم الى هذه الجماعات. وقانون الاتحاد الأوروبي في بعض بنوده ينص على ضرورة التنسيق الأمني وتبادل المعلومات، والتعاون قائم في أعلى مستواه في هذا المجال، وتستعين هذه الأجهزة بخبراء من العالم العربي والاسلامي في فهم المنطلقات الفكرية والفقه الخاص بهذه الحركات وآفاق تفكيرها واستراتيجياتها، وغرض هذه الأجهزة من تشريح حركات الاسلام السياسي هو الحفاظ على الأمن القومي ومنع تكرار ما يحدث في العالم العربي والاسلامي على أراضي الغرب، والحؤول دون تحويل الغرب الى قواعد للراغبين في إطاحة نظمهم واقامة مشاريع فكرية وسياسية في العالمين العربي والاسلامي مغايرة للعلمانية الغربية. ويجري ها هنا التنسيق كاملاً مع الأجهزة الأمنية العربية للحصول على معلومات عن الأشخاص والتنظيمات الاسلامية. لكن لم يسبق للأجهزة الأمنية الغربية أن تعاملت مع الاسلاميين على أراضيها بالطريقة التي يتعامل بها معهم رجال الاستخبارات العرب. والمدرسة الثانية هي المدرسة المرتبطة بوزارات الهجرة ودوائر الاندماج حيث لدى هذه الدوائر مراكز للبحث والدراسات وتضطلع هذه المراكز بتشريح ثقافة المسلمين وعاداتهم والغرض منها ليس أمنياً على الإطلاق بل الغرض منها فهم المسلمين عن قرب في محاولة لإدماجهم في المجتمعات الجديدة المستقبلة لهم، ولوضع قوانين تتماشى مع توجهات المسلمين، ولتجنيب المجتمعات الغربية التصادم مع من يمثلون الظاهرة الاسلامية الوافدة.
والمدرسة الثالثة هي المدرسة الأكاديمية التي قوامها مجموعة كبيرة من المستشرقين والباحثين في قضايا العالم العربي والاسلامي ومجموعة من المعاهد والكليات التي تعنى بالحضارة الاسلامية والحوار الاسلامي ــ الغربي، وتضم هذه المدرسة ثلاثة اتجاهات: اتجاه منصف للحضارة الاسلامية ومتفهم للخلل الحاصل في حياة المسلمين والفرق الشاسع بين مسلكيات المسلمين وتعاليم الاسلام السمحة، واتجاه حاقد يهمه الانتصار لمنطلقاته الايديولوجية ويحمّل الاسلام كل خيبات العالم العربي والاسلامي ويصوره أنه الخطر المحدق بالمنظومة الغربية، واتجاه ثالث عقلاني واقعي يحاول تفسير الأمور تفسيراً ابستمولوجيّاً وعلميّاً. والمدرسة الرابعة قوامها مجموعة من مراكز الدراسات الخاصة التي تسوّق إنتاجها البحثي لحساب وزارات خارجية ودوائر قرار ودوائر حساسة وحسب الطلب، وتوظف هذه المراكز خليطاً من الباحثين من مختلف الجنسيات والبلدان، ويمكن القول إن السرعة هي طابع الدراسات عن الاسلام السياسي التي تصدر عن هذه المراكز ذات البعد التجاري. والمدرسة الخامسة قوامها مراكز محدودة لبعض أصحاب النفوذ الديني من مسيحيين ويهود، والغرض منها إشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين بالنسبة إلى الفريق الأول، ورسم منهجية علمية للتنصير من خلال فهم المسلمين وكيفية التسلل الى عقلياتهم بالنسبة إلى الفريق الثاني. وعلى الرغم من أنّ دولاً أوروبية عديدة قد احتكّت بالعالم العربي والإسلامي في فترة الاستعمار التي دامت في بعض البلدان أزيد من مئة عام، تعيد الدوائر الغربية تشريح خريطة هذا العالم وتدرس حتى الجزئيات التي لا تخطر على بال. ومن جملة القضايا التي أعدت للتشريح الحركات التي تتبنّى مشروع الاسلام السياسي وتطرح البديل الاسلامي نموذجاً للحكم. وليست الثورة الإيرانية هي وحدها التي نبّهت مراكز الدراسات في الغرب إلى ضرورة إعادة النظر في الإسلام السياسي، بل مجمل التحولات والتغيّرات التي حصلت في خريطتي العالم العربي والإسلامي، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ هناك وهماً مركّباً بدأ يسيطر على الذهنية الغربية مفاده أن الإسلام عدو قادم، وأن الغرب انتهى من الخطر الأحمر ليواجه الخطر الأخضر، وقد زاد الأداء السياسي لبعض الحركات الإسلامية من تعميق هذه الذهنية، وتأكيد أن الخطر الأخضر بات قاب قوسين من المنظومة الغربية في مختلف المجالات.
وقد عملت وسائل إعلام جبّارة محسوبة على اللوبي اليهودي في ترسيم هذه المعادلة وخلق توجّه مفاده أنّ الحرب المقبلة ستكون بين الهلال والصليب وهي المكيدة الفخ التي وقع فيها أصحاب الهلال وأصحاب الصليب على حد سواء.
*كاتب عربي - السويد